للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على عدّة مشايخ، وقرأ بنفسه على شيخنا العراقي قليلًا من منظومته، وكان يتوقَّد ذكاءً مع هوج وذكاءٍ (١) ومحبّةٍ فى المزاح والفكاهة إلى أن مات أَبوه وأَوصاه أن لا يترك منصب القضاء ولو ذهب فيه جميع ما خلفه، فقبل الوصية ورشا على الحكم إلى أن وليه، ثم صار يرشى أهل [البلد] بأوقاف الحنفية يؤجّرها لمن لم (٢) يخطر له منهم ببال بأَبخس أُجرة ليكون له عونًا على مقاصده إلى أن يخربها ولو دام قليلًا لخربت كلها؛ وصار في ولايته القضاء كثيرَ الوقيعةِ في العلماء قليلَ المبالاة بأمْرِ الدين، كثيرَ التظاهر بالمعاصي ولاسيما الرّبا، سيئ المعاملة جدًّا، أحمق أهوج متهوّرًا.

وقد امتُحِن في الدولة النَّاصرية على يد الوزير سعد الدين [إبراهيم بن كريم] البشيري (٣) وصودر وهو مع ذاك قاضى الحنفيّة، ثم قام في موجب قَتْل الملك النَّاصر قيامًا بالغًا ولم ينفعْه ذلك لأنَّه ظنّ أنّ ذلك يبقيه في المنصب فعُزِل عن قُرْبٍ كما تقدم في الحوادث، وقد ذكرنا في الحوادث تنقُّلاته في القضاء والشيخونية.

ثم لمّا وقع الطاعون في هذه السنة ذُعر منه ذُعرا شديدًا وصار دأْبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدويةً وأدعيةً ورُقىً، ثم تمارض لئلا يشاهِد ميّتًا ولا يُدْعى إلى جنازة لشدّةِ خوْفه من الموْت، فقدّر الله أنَّه سلم من الطاعون وابتُلِيَ بالقولنج الصفراوي فتسلسل به الأَمر إلى أن اشتدّ به الخطب فأَوصى، ومن جملة وصيّته ما قدّمته في قضية ابن الطرابلسي، فلما بلغه أن ابنَ الطرابلسي مات بُشِّر بذلك وأَشهد عليه (٤) أنه رجع عما كان أوصى به لابن الجيتى، فقدّر الله تعالى أنَ ابن الجيتى مات أيضا قبله بعشرة أيام، ثم مات ابن العديم في ليلة السبت تاسع شهر ربيع الآخر (٥).


(١) "وذكاء" ساقطة من هـ.
(٢) "لم" ساقطة من هـ.
(٣) راجع ما سبق ص ٧٦.
(٤) أي أنه أشهد على نفسه.
(٥) ورد في هامش ز الترجمة التالية: "محمد بن عمر بن على المحب بن سراج الدين الحنفى بن البابا، ذكره المؤلف في معجمه" ويلاحظ أن الضوء اللامع ٨/ ٦٨٧ أشار إلى أن ابن حجر أورده في معجمه ولم يشر إلى إنبائه.