للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى (١) رمضان حَضر السلطانُ مجلسَ سماعِ الحديث بالقلعة وفيه القضاةُ ومشايخُ العلم، فسأَلهم عن الحكم في شخص يزعم أَنه يصعد (٢) إلى السماء ويشاهد الله تعالى ويتكلم معه، فاستعظموا ذلك، فأَمر بإحضاره فأُحْضِر (٣) وأنا يومئذ معهم، فرأَيتُ رجلًا ربعةً عبْلَ البدن أبيضَ مشوبًا بحمرة، كبيرَ الوجه كثيرَ الشعر منتفِشَه، فسأَله السلطان عما أخبر به فأَعاد نحو ذلك وزاد بأَنه كان في اليقظة، وأن الذي رآه على هيئة السلطان في الجلوس وأن رؤيته له تتكرَّرُ مرارًا كثيرة، فاستفسره عن أمور تتعلَّق بالأَحكام الشرعية من الصلاة وغيرها فظهر أنه جاهلٌ بأُمور الدّيانة.

ثم سئل عنه فقيل إنَّه يسكن خارج باب القرافة في تُربةٍ خراب، وأنّ لبعض الناس فيه اعتقادا كدأْبهم في أمثاله، فاستفتى السلطانُ العلماءَ فاتفق رأيُهم على أنَّه إنْ كان عاقلًا يستتاب فإن تابَ وإَّلا قُتل، فاستُتِيبَ فامتنَع، فعلَّق المالكيُّ الحكمَ بقتْله على شهادةِ شاهدين يشهدان أن عقلَه حاضر، فشهد جماعة من أهل الطب أنه مختل العقل مُبَرْسم، فأَمر السلطان به أن يقيَّد في المارستان فاستمرّ فيه بقية حياة السلطان، ثم أمر بعد موْتِ السُّلطان بإطلاقه.

* * *

وفي شوال كانت الفتن بين أهل البحيرة فقُتِل موسى بن رحاب وخلاف بن عتيق وحسين بن شرف وغيرهم من شيوخهم، وتوجّه الأُستادار لمحاربتهم ففتك فيهم، وقدم في ذي القعدة ومعه من الغنم والبقر شيءٌ كثير، ووصل في طلبهم إلى العقبة الصغرى ثم توجّه منها إلى جهة برقة، فسار أيّامًا ثم رجع.

وفيه قدم ركب (٤) التكرور في طلب الحجّ ومعه شي كثير من الرقيق والتبر.


(١) أمام هذا الخبر في ش: "سؤال مسلطان القضاة عمن يزعم أنه صعد إلى السماء".
(٢) أمامها في هامش: "الذي ادعى أنه: يصعد إلى السماء".
(٣) "فأحضر" ساقطة من هـ.
(٤) كلمة "ركب" غير واردة فيه، أما التكرور فقد عرفتها مراصد الاطلاع ١/ ٢٦٨ بأنها بلاد تنسب إلى قبيل من السودان في أقصى جنوب المغرب وأهلها أشبه الناس بالزنوج، وبلادهم كما جاء في صبح الأعشى ٥/ ٢٨٢ هي مالي حيث قال عنها إنها هي المعروفة عند العامة ببلاد التكرور، وذكر مؤلف أحدث من هذين هو ابن عمر التونسي: تشحيد الأذهان ص ١٣٥، أن "التكرور" إسم كان يطلق على بعض أهل السودان ويقصد به أهل مملكة برنو. أنظر أيضا: Ency. ISl Art Takrour.