للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على السور فلم يجد أَحدًا فعاد إلى القلعة، فركب شيخ ودخل من باب النصر وملك المدينة ونزل بدار السعادة، وامتدَّتْ أيدى الغوغاء إلى النهب فبالغوا ونزل المستعين في البلد.

ويقال إن دمرداش لما رأى أَن حال الناصر تلاشى احتال لنفسه فقال للناصر: "أَروح أَنا وابن أَخى وأَجمع عسكر من التركمان وغيرهم"، فمال الناصر لكلامه وأَعطاه مالًا كثيرًا لذلك، فتوجّه من دمشق ومعه نحو مائتي نفس، فلما رأى الذين مع الناصر ذلك خارت قواهم ووهنوا، ورأى الناصر علامة الخذلان فقال لهم: "من شاء أَن يستوثق لنفسه فليفعل"، فتفرفوا.

* * *

ثم تحوّل شيخ إلى الإصطبل، وأَنزل بكتمر جلق في دار السعادة، فلما كان يوم الأَحد بعث الناصر يطلب الأَمان ويستحلف الأُمراءَ فحلفوا له على ما أَراد، وأَرسلوا له أَخا الخليفة: لأمه: محمد بن مبارك الطازى وكان بينه وبينه الكلام ولم يفترقا على طائل، فعاود الرمي عليهم من أعلا القلعة فعاودوا الحصار، فاضطرهُ الأَمر إلى أَن نزل ليلة الاثنين ومعه أولاده يحمل بعضهم وتُحمل معه بعضهم وهو يمشى من باب القلعة إلى الإصطبل: فلما راه شيخ قام فقبّل له الأَرض وأَجلسه بصدر المجلس فسكن روعه، فبات تلك الليلة وأَصبح شيخ يوم الاثنين فلم يجتمع به، واجتمع الأُمراء عند المستعين يوم الاثنين بدار السعادة فاشتوروا فيما يصنعون بالنَّاصر، فاتفق رأْيهم على أَن يمضوا فيه حكم ابن العديم، فأُخذ في ليلة الأَربعاء من الإصطبل فجلس في مكانٍ من القلعة وحده لا يصل إليه إلَّا من يناوله حاجة المأْكول والمشروب خاصة، وتركوه فريدًا إلى ليلة السبت سادس عشر صفر، فدخل عليه محمد بن مبارك الطازى ورجل من خواصّ شيخ وآخر من خواصّ نوروز ورجلان من المشاعلية، فلما رآهم أحس بالشرّ فقام ودافع عن نفسه، فبادر المشاعلية حى صرعاه بعد ما أَثخنا جراحه، وتقدّم إليه أحدهما فخنقه، فلما ظنّ أَنه أَتلفه قام عنه فتحرّك، فعاد مرة بعد مرة، فغزَّ أَوْدَاجَه بخنجر كان معه، ثم سحبه بعد ما سلبه فأَلقاه على مزبلة تحت السماء ليس عليه سوى لباسه وعيناه مفتوحتان، يمرّ به القريب والبعيد وقد صرف الله قلوبهم عنه فلا أَحد يترققّ له ولا يحنّ عليه، بل ربّما مدّ إليه بعضهم يده فعبث بلحيته. ثم حُمِل