للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمرة، والمنفى ما لا تخالطه، وهو الذى تكره العرب لونه وتسميه أمهق، وبهذا تبين أن رواية المروزى أمهق ليس بأبيض مقلوبة، على أنه يمكن توجيهها بأن المراد بالأمهق الأخضر اللون الذى ليس بياضه فى الغاية، ولا سمرته ولا حمرته، فقد نقل عن رؤبة: أن المهق خضرة الماء، فهذا التوجيه يتم على تقدير ثبوت الرواية، وقد تقدم فى حديث أبى جحيفة إطلاق كونه كان أبيض، وكذا فى حديث أبى الطفيل عند مسلم والترمذى.

وفى حديث سراقة عند ابن إسحاق فجعلت أنظر إلى ساقه كأنها جمارة، ولأحمد من حديث محرش الكعبى فى عمرة الجعرانة قال: فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة «١» . وعن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصفه- صلى الله عليه وسلم- فقال: كان شديد البياض «٢» أخرجه يعقوب بن سفيان والبزار بإسناد قوى. ويجمع بينهما بما تقدم. وقال البيهقى: يقال: إن المشرب منه بحمرة وإلى السمرة منه ما ضحى للشمس والريح أى كالوجه والعنق وأما ما تحت الثياب فهو الأزهر الأبيض انتهى. وهذا ذكره ابن أبى خيثمة عقب حديث عائشة فى صفته- صلى الله عليه وسلم- بأبسط من هذا وزاد: ولونه الذى لا يشك فيه الأبيض الأزهر. انتهى والله أعلم.

وقد ضعف بعضهم قول من قال: إنما وصف بالسمرة ما كانت الشمس تصيب منه، بأن أنسا لا يخفى عليه أمره حتى يصفه بغير صفته اللازمة له لقربه منه، ولم يكن- صلى الله عليه وسلم- ملازما للشمس، نعم لو وصفه بذلك بعض القادمين ممن صادفه فى وقت غيرته الشمس لأمكن، فالأولى حمل السمرة فى رواية أنس على الحمرة التى تخالط البياض كما قدمناه.

تنبيه: فى الشفاء حكاية عن أحمد بن سليمان صاحب سحنون: من قال إن النبى- صلى الله عليه وسلم- أسود يقتل. انتهى. وهذا يقتضى أن مجرد الكذب عليه فى صفة من صفاته كفر يوجب القتل. وليس كذلك، بل لابد من ضميمة ما يشعر بنقص فى ذلك. كما فى مسألتنا هذه فإن الأسود لون مفضول.


(١) تقدم.
(٢) تقدم.