للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخشى الفتنة وظهور المنافقين، فلما شاهد قوة يقين الصديق الأكبر وتفوهه بقول الله عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ «١» وقوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «٢» وخرج الناس يتلونها فى سكك المدينة كأنها لم تنزل قط إلا ذلك اليوم انتهى.

وقال ابن المنير: لما مات- صلى الله عليه وسلم- طاشت العقول، فمنهم من خبل، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من أخرس فلم يطق الكلام، ومنهم من أضنى، وكان عمر ممن خبل، وكان عثمان ممن أخرس، يذهب به ويجاء ولا يستطيع كلاما، وكان على ممن أقعد فلم يستطع حراكا، وأضنى عبد الله ابن أنيس فمات كمدا. وكان أثبتهم أبو بكر الصديق- رضى الله عنه-، جاء وعيناه تهملان وزفراته تتردد وغصصه تتصاعد وتترفع، فدخل على النبى- صلى الله عليه وسلم- فأكب عليه وكشف الثوب عن وجهه وقال: طبت حيّا وميتا، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء، ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس. اذكرنا يا محمد عند ربك، ولنكن من بالك.

ووقع فى حديث ابن عباس وعائشة عند البخارى: أن أبا بكر قبل النبى- صلى الله عليه وسلم- بعد ما مات، كما قدمنا. وكذا وقع فى رواية غيره.

وفى رواية يزيد بن بابنوس عنها، عند أحمد، أنه أتاه من قبل رأسه، فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال: واصفياه، ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته وقال: واخليلاه.

وعند ابن أبى شيبة عن ابن عمر: فوضع فاه على جبين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل يقبله ويبكى ويقول: بأبى أنت وأمى، طبت حيّا وميتا.

وعن عائشة: أن أبا بكر دخل على النبى- صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، فوضع فاه


(١) سورة آل عمران: ١٨٥.
(٢) سورة الزمر: ٣٠.