للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلم- منا، فدخل أحدهما على النبى- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك، فخرج النبى- صلى الله عليه وسلم- وقد عصب على رأسه حاشية برد، فصعد المنبر- ولم يصعده بعد ذلك اليوم- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشى وعيبتى، وقد قضوا الذى عليهم، وبقى الذى لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» «١» .

وقوله «كرشى وعيبتى» أى موضع سرى أراد أنهم بطانته وموضع أمانته، والذين يعتمد عليهم فى أموره. واستعار الكرش والعيبة لذلك. لأن المجتر يجمع علفه فى كرشه، والرجل يجمع ثيابه فى عيبته، وقيل: أراد بالكرش الجماعة، أى جماعتى وصحابتى يقال: عليه كرش من الناس، أى جماعة، قاله فى النهاية.

وذكر الواحدى بسند وصله بعبد الله بن مسعود قال: نعى لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا الفراق جمعنا فى بيت عائشة فقال:

«حياكم الله بالسلام، رحمكم الله، جبركم الله، رزقكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، آواكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأستخلفه عليكم، وأحذركم الله، إنى لكم منه نذير مبين، أن لا تعلوا على الله فى بلاده وعباده، فإنه قال لى ولكم:

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «٢» وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ «٣» » ، قلنا: يا رسول الله، متى أجلك؟ قال: «دنا الفراق، والمنقلب إلى الله وإلى جنة المأوى» ، قلنا: يا رسول الله، من يغسلك؟ قال: «رجال من أهل بيتى الأدنى فالأدنى» ، قلنا: يا رسول الله، فيم نكفنك؟ قال: «فى ثيابى هذه وإن شئتم فى بياض ثياب مصر، أو حلة يمنية» ، قلنا: يا رسول الله، من يصلى عليك؟

قال: «إذا أنتم غسلتمونى وكفنتمونى فضعونى على سريرى هذا على شفير


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٧٩٩) فى المناقب، باب: قول النبى اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن سيئاتهم. من حديث أنس- رضى الله عنه-.
(٢) سورة القصص: ٨٣.
(٣) سورة الزمر: ٦٠.