للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد نقل الدمياطى: أن الصديق صلى بالناس سبع عشرة صلاة. وقد ذكر الفاكهى فى «الفجر المنير» مما عزاه لسيف الدين بن عمر فى كتاب «الفتوح» أن الأنصار لما رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يزداد وجعا، أطافوا بالمسجد، فدخل العباس فأعلمه- صلى الله عليه وسلم- بمكانهم وإشفاقهم، ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك، ثم دخل عليه على بن أبى طالب كذلك. فخر- صلى الله عليه وسلم- متوكئا على علي والفضل والعباس أمامه، والنبى- صلى الله عليه وسلم- معصوب الرأس يخط برجليه، حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر وثار الناس إليه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس، بلغنى أنكم تخافون من موت نبيكم، هل خلد نبى قبلى فيمن بعث إليه فأخلد فيكم؟ ألا إنى لاحق بربى، وإنكم لاحقون به، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا، وأوصى المهاجرين فيما بينهم، فإن الله تعالى يقول: وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ «١» إلى آخرها، وإن الأمور تجرى بإذن الله تعالى، ولا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله، فإن الله عز وجل لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ «٢» ، وأوصيكم بالأنصار خيرا، فإنهم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلكم أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم فى الثمار؟ ألم يوسعوا لكم فى الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن ولى أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، إلا وإنى فرط لكم، وأنتم لا حقون بى، إلا وإن موعدكم الحوض، ألا فمن أحب أن يرده علىّ غدا فليكفف يده ولسانه، إلا فيما ينبغى، يا أيها الناس، إن الذنوب تغير النعم، وتبدل القسم، فإذا برّ الناس، برّهم أئمتهم، وإذا فجر الناس عقوهم.

وفى حديث أنس عند البخارى: قال: مرّ أبو بكر والعباس بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ فقالوا: ذكرنا مجلس النبى


(١) سورة العصر: ١، ٢.
(٢) سورة محمد: ٢٢.