للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له عائشة: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء، قال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» ، فعادوته بمثل مقالتها، فقال: «إنكن صواحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس» «١» . رواه الشيخان وأبو حاتم واللفظ له. وفى رواية: إن أبا بكر رجل أسيف «٢» .

وفى حديث عروة عن عائشة عند البخارى: فمر عمر فليصل بالناس، قالت: قلت لحفصة قولى له إن أبا بكر إذا قام فى مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:

«مه، إنكن لأنتن صواحب يوسف. مروا أبا بكر فليصل بالناس» ، فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا «٣» .

والأسيف: بوزن فعيل، وهو بمعنى فاعل، من الأسف وهو شدة الحزن، والمراد به هنا، رقيق القلب. ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن مسروق عن عائشة فى هذا الحديث: قال عاصم: والأسيف الرقيق الرحيم، وصواحب: جمع صاحبة، والمراد: أنهن مثل صواحب يوسف فى إظهار ما فى الباطن. ثم إن هذا الخطاب، وإن كان بلفظ الجمع، فالمراد به واحدة وهى عائشة- رضى الله عنها-. ووجه المشابهة بينهما فى ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة، ومرادها الزيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها فى محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها لكونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك، وهو أن لا يتشاءم الناس به. وقد صرحت هى بذلك، كما عند البخارى فى باب وفاته- صلى الله عليه وسلم- فقالت: لقد راجعته وما حملنى على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع فى قلبى أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا. وأن لا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦٦٤) فى الأذان، باب: حد المريض أن يشهد الجماعة، ومسلم (٤١٨) فى الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض أو سفر. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(٢) تقدم فى الذى قبله.
(٣) تقدم.