للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «قوموا» . قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم «١» .

قال المازرى: إنما جاز للصحابة الاختلاف فى هذا الكتاب: مع صريح أمره لهم بذلك. لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه- صلى الله عليه وسلم- قال ذلك عن غير قصد جازم.

وقال النووى: اتفق العلماء على أن قول عمر: «حسبنا كتاب الله» «٢» من قوة فقهه ودقيق نظره، لأنه خشى أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فيستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد على العلماء، وفى تركه- صلى الله عليه وسلم- الإنكار على عمر إشارة إلى تصويبه، وأشار بقوله: «حسبنا كتاب الله» إلى قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «٣» ، ولا يعارض ذلك قول ابن عباس: «إن الرزية إلخ» لأن عمر كان أفقه منه قطعا، ولا يقال إن ابن عباس لم يكتف بالقرآن مع أنه حبر القرآن، وأعلم الناس بتفسيره وتأويله، ولكنه أسفا على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه، لكونه أولى من الاستنباط، والله أعلم.

ولما اشتد به- صلى الله عليه وسلم- وجعه قال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» ، فقالت


(١) صحيح: أخرجه البخارى (١١٤) فى العلم، باب: كتابة العلم. من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٤٤٣٢) فى المغازى، باب: مرض النبى ووفاته. من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما.
(٣) سورة الأنعام: ٣٨.