للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقام قياما طويلا، نحوا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، ثم سجد، ثم قام قياما طويلا وهو دون قيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله» ، فقالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا فى مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت؟ قال: «إنى رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء» ، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: «بكفرهن» ، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط» «١» . رواه البخارى ومسلم.

وقوله: «ورأيت الجنة والنار» قال القاضى عياض: يحتمل أنه رآهما رؤية عين، كشف الله له عنهما، وأزال الحجاب بينه وبينهما، كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه، ويكون قوله- صلى الله عليه وسلم-: «فى عرض هذا الحائط» - كما فى رواية-: فى جهته وناحيته، ويحتمل أن تكون رؤية علم وعرض وحى باطلاعه وتعريفه من أمورهما مفصلا ما لم يعرفه قبل ذلك اليوم. قال القاضى: والأول أولى وأشبه بألفاظ الحديث، لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين، كتناوله العنقود، وتأخره مخافة أن يصيبه لفح النار. انتهى.

واستشكل قوله: «ولو أصبته» مع قوله: «تناولت» . وأجيب: بحمل «التناول» على تكلف الأخذ، لا حقيقة الأخذ، وقيل: المراد تناولته لنفسى ولو أخذته لكم، حكاه الكرمانى، قال الحافظ ابن حجر: وليس بجيد، وقيل: المراد بقوله تناولت: وضعت يدى عليه، بحيث كنت قادرا على


(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٠٥٢) فى الجمعة، باب: صلاة الكسوف جماعة، ومسلم (٩٠٧) فى الكسوف، باب: ما عرض على النبى- صلى الله عليه وسلم- فى صلاة الكسوف. من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.