للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد استشكل الغزالى هذه الزيادة، وقال: أنها لم تثبت، فيجب تكذيب ناقلها، قال: ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلا من أصول الشريعة.

وقال ابن بزبزة: وهذا عجب منه، كيف يسلم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم الشريعة، مع أنها مبنية على أن العالم كرى الشكل، وظاهر الشرع يعطى خلاف ذلك والثابت من قواعد الشرع أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار، فيخلق فى هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من غير توقيف على سبب أو ربط باقتران، والحديث الذى رده الغزالى قد أثبته غير واحد من أهل العلم، وهو ثابت من حيث المعنى أيضا، لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسى، فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته، ويؤيده قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا «١» ، انتهى.

ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت، وقال: هى أخوف لله منا. وقال ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذى يذكره أهل الحساب ينافى قوله: «يخوف الله به عباده» ، وليس بشئ، لأن لله تعالى أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم فى عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شئ غريب، حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجرى عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها. وحاصله: أن الذى يذكره أهل الحساب إن كان حقّا فى نفس الأمر لا ينافى كون ذلك مخوفّا لعباد الله تعالى. قاله فى فتح البارى.

وعن ابن عباس قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-


(١) سورة الأعراف: ١٤٣.