للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا من قسم الرؤيا المعبرة، وهى مما ضرب به المثل، ووجه التمثيل أنه شق من اسم السوداء: السوء والداء، فتأول خروجها بما جمع اسمها، وتأول من ثوران شعرها أن الذى يسوء ويثير الشر يخرج من المدينة.

وقال القيروانى من أهل التعبير: كل شئ غلبت عليه السوداء فى أكثر وجوهها فهو مكروه، وقال غيره: ثوران الرأس يؤول بالحمى لأنها تثير البدن بالاقشعرار وبارتفاع الرأس، لا سيما من السوداء فإنها أكثر استيحاشا.

ومن ذلك: رؤيته- صلى الله عليه وسلم- أنه فى درع حصينة وبقرا تنحر وتعبير ذلك.

عن أبى موسى عن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: «رأيت فى المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلى إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هى المدينة يثرب، ورأيت فيه بقرا، والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذى أتانا الله «١» بعد يوم بدر» «٢» رواه البخارى ومسلم. وروى الإمام أحمد وغيره عن جابر: أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: «رأيت كأنى فى درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر، فأولت الدرع الحصينة بالمدينة، والبقر بقرا» «٣» . وهذه اللفظة الأخيرة وهى «بقر» بفتح الموحدة، وسكون القاف مصدر بقره يبقره بقرا.

ولهذا الحديث سبب جاء بيانه فى حديث ابن عباس عند أحمد أيضا والنسائى والطبرانى، وصححه الحاكم من طريق أبى الزناد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس فى قصة أحد، وإشارة النبى- صلى الله عليه وسلم- عليهم أن لا يبرحوا من المدينة، وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة، ولبسه اللأمة وندامتهم على ذلك، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا ينبغى لنبى إذا لبس لأمته أن يضعها


(١) سقط من الأصل، وزدناها من مصادر التخريج.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٣٦٢٢) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام، ومسلم (٢٢٧٢) فى الرؤيا، باب: رؤيا النبى- صلى الله عليه وسلم-.
(٣) حسن: أخرجه الدارمى (٢١٥٩) ، وأحمد فى «المسند» (٣/ ٣٥١) ، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد (١/ ٢٧١) ، والحاكم (٢/ ١٤١) و (٣/ ٤١) يحسن به.