وأيضا: ففى كونهما من ذهب، والذهب منهى عن لبسه، دليل على الكذب، وأيضا: فالذهب مشتق من الذهاب، فعلم أنه شئ يذهب عنه، وتأكد ذلك بالإذن له فى نفخهما فطارا، فعرف أنه ينسب إليهما أمر، وأن كلامه بالوحى الذى جاء به يزيلهما من موضعهما.
وقال ابن العربى: كان النبى- صلى الله عليه وسلم- يتوقع بطلان أمر مسيلمة والعنسى، فأول الرؤيا عليهما ليكونا ذلك، إخراجا للمنام عليهما، فإن الرؤيا إذا عبرت خرجت. ويحتمل أن يكون بوحى. والمراد ب «خزائن الأرض» التى ذكر، ما فتح على أمته من الغنائم ومن ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما، ويحتمل معادن الأرض التى فيها الذهب والفضة.
وقال القرطبى: إنما كبر عليه السواران لكون الذهب من حلية النساء، ومما حرم على الرجال، وفى طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما، ومناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا، أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا، فكانوا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر الكذابان، وبهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما ودعاويهما الباطلة انخدع أكثرهم بذلك، فكأن اليدين بمنزلة البلدين، والسوارين بمنزلة الكذابين، وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفا، والزخرف من أسماء الذهب.
وقال أهل التعبير: من رأى أنه يطير فإن كان إلى جهة السماء تعريجا ناله ضرر، فإن غاب فى السماء ولم يرجع مات، وإن رجع أفاق من مرضه، وإن كان يطير عرضا سافر ونال رفعة بقدر طيرانه.
ومن ذلك: رؤيته- صلى الله عليه وسلم- المرأة السوداء الثائرة الرأس، تعبيرها بنقل وباء المدينة إلى الجحفة. روى البخارى من حديث عبد الله بن عمر، أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال:«رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة- وهى الجحفة- فأولت أن وباء المدينة نقل إليها»«١» .
(١) صحيح: أخرجه البخارى (٧٠٣٨) فى التعبير، باب: إذا رأى أنه أخرج الشئ من كورة فأسكنه موضعا آخر، وأطرافه (٧٠٣٩ و ٧٠٤٠) .