و «الثدى» بضم المثلاثة وكسر الدال وتشديد الياء، جمع ثدى، بفتح ثم سكون، والمعنى: أن القميص قصير جدّا بحيث لا يستر من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها. وقوله:«ومنها ما يبلغ دون ذلك» يحتمل أن يريد به من جهة السفل، وهو الظاهر فيكون أطول، ويحتمل أن يكون دونه من جهة العلو فيكون أقصر، ويؤيد الأول ما فى رواية الترمذى الحكيم المذكورة:
فمنهم من كان قميصه إلى سرته، ومنهم من كان قميصه إلى ركبته، ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه.
ويجوز النصب فى قوله «الدين» والتقدير: أولته الدين، ويجوز الرفع.
وفى رواية الحكيم المذكورة: على الإيمان. وقد قيل فى وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة فى الدنيا، والدين يسترها فى الآخرة ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه قوله تعالى: وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ «١» .
واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين، وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده. وقال ابن العربى: إنما أول- صلى الله عليه وسلم- القميص بالدين، لأن الدين يستر عورة الجهل، كما يستر القميص عورة البدن. قال:
وأما غير عمر فالذى كان يبلغ الثدى هو الذى يستر قلبه عن الكفر ولو كان يتعاطى المعاصى، والذى كان يبلغ أسفل من ذلك وفرجه باد هو الذى لم يستر رجله عن المشى إلى المعصية، والذى يستر رجله هو الذى احتجب بالتقوى من جميع الوجوه، والذى يجر قميصه زاد على ذلك بالعمل الصالح الخالص.
وأشار العارف ابن أبى جمرة: إلى أن المراد بالناس فى الحديث:
المؤمنون، لتأويله القميص بالدين، قال: والذى يظهر أن المراد خصوص هذه الأمة المحمدية، بل بعضها، والمراد بالدين العمل بمقتضاه، كالحرص على امتثال الأوامر واجتناب المناهى، وكان لعمر فى ذلك المقام العالى.