للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجرى فى عروقى بين الجلد واللحم» «١» ، على أنه محتمل أيضا. قال بعض العارفين: الذى خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل، وهو كما قال، لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم والذى ذكره قد يكون خارقا للعادة فيكون من باب الكرامة.

وقال العارف ابن أبى جمرة: تأول النبى- صلى الله عليه وسلم- اللبن بالعلم اعتبارا بما بين له أول الأمر حين أتى بقدح خمر وقدح لبن، فأخذ اللبن فقال له جبريل: أخذت الفطرة، انتهى. وقد جاء فى بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة، كما أخرجه البزار من حديث أبى هريرة رفعه: اللبن فى المنام فطرة.

وذكر الدينورى: أن اللبن المذكور فى هذا يختص بلبن الإبل، وأنه لشاربه مال حلال وعلم، قال: ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضا، ولبن الشاة مال وسرور وصحة جسم، وألبان الوحش شك فى الدين، وألبان السباع غير محمودة، إلا أن لبن اللبوة مال مع عداوة لذى أمر، وفى الحديث: أن علم النبى- رضى الله عنه- بالله لا يبلغ أحد درجته فيه، لأنه شرب حتى رأى الرى يخرج من أطرافه. وأما إعطاؤه فضله لعمر، ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا تأخذه فى الله لومة لائم، ووجه التعبير فى الحديث بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم فى كثرة النفع، وكونهما سببا للصلاح، فاللبن للغذاء البدنى، والعلم للغذاء المعنوى.

ومن ذلك رؤيته- صلى الله عليه وسلم- القميص وتعبيره بالدين. وعن أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه-، عن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: «بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علىّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدى، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومرّ علىّ عمر وعليه قميص يجره» . قالوا: ما أولته يا رسول الله؟ قال:

«الدين» «٢» ، رواه البخارى. وفى رواية الترمذى الحكيم من طريق أخرى فى هذا الحديث، فقال أبو بكر: علام تؤول هذا يا رسول الله؟


(١) أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (٣/ ٩٢) ، والطبرانى فى «الكبير» (١٢/ ٢٩٣) ، وفى «فضائل الصحابة» (١/ ٢٥٣) ، من الطريق المذكور.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٢٣) فى الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان فى الأعمال، ومسلم (٢٣٩٠) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر- رضى الله عنه-.