ثم المراد «برؤية الفؤاد» رؤية القلب، لا مجرد حصول العلم، لأنه- صلى الله عليه وسلم- كان عالما بالله على الدوام. بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التى حصلت له خلقت له فى قلبه كما تخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط لها شىء مخصوص عقلا، ولو جرت العادة بخلقها فى العين. وروى ابن خزيمة بإسناد قوى عن أنس قال:(رأى محمد ربه) وفى مسلم من حديث أبى ذر أنه سأل النبى- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال:(نور أنى أراه) أى حجابه نور فكيف أراه، ومعناه: أن النور منعنى من الرؤية. وعند أحمد قال:(رأيت نورا) ومن المستحيل أن تكون ذات الله تعالى نورا، إذ النور من جملة الأعراض، والله تعالى يتعالى عن ذلك.
وعند ابن خزيمة عنه، قال:(رآه بقلبه ولم يره بعينه) . وبهذا يتبين مراده فى حديث أبى ذر بذكر النور، أى أن النور حال بينه وبين رؤيته له ببصره.
وجنح ابن خزيمة فى كتاب التوحيد إلى ترجيح الإثبات، وأطنب فى الاستدلال بما يطول ذكره، وحمل ما ورد عن ابن عباس على أن الرؤية وقعت مرتين: مرة بقلبه ومرة بعينه.
ومما يعزى للأستاذ عبد العزيز المهدوى: أنه- صلى الله عليه وسلم- لما رجع من سفر الإسراء، أخبر العوالم من حيث فلكهم مراتبهم، وسقى كل واحد من كأسه، وعلى قدر عقله، فخاطب الكفار، وهم آخر العوالم بما رأى فى الطريق، وما كان فى المسجد الأقصى على العيان وبما يعرفون، لأنهم فى فلك الأجسام، حتى صدقوا بالإسراء، ثم ارتقى حتى حدث عن فلك السماء، وكذلك فى كل سماء، وأخبر عما شاهد ورأى فى كل فلك وما يليق أن يحدث به- أعنى الصحابة- كلا على قدر مرتبته بلا ضيق ولا مزاحم إلى السماء السابعة، ولما وصل مقام جبريل تحدث عن الأفق المبين، وعما فوق إلى الدنو وإلى التدلى إلى موضع الإيحاء عند حضرة إسقاط الصور والخلق، فأخبر بذلك أصحابه، فمنهم من قال: رأى جبريل بالأفق المبين، وبالأفق الأعلى، وصدق، ومنهم من قال برؤية الفؤاد والبصيرة وصدق،