للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذهبت عائشة وابن مسعود إلى أنه- صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه ليلة الإسراء.

واختلف عن أبى ذر. وذهب جماعة إلى إثباتها. وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن: أنه حلف أن محمدا رأى ربه. وأخرج ابن خزيمة عن عروة ابن الزبير إثباتها، وبه قال سائر أصحاب ابن عباس. وجزم به كعب الأحبار والزهرى، وصاحبه معمر وآخرون وهو قول الأشعرى وغالب أتباعه. ثم اختلفوا: هل رآه بعينيه أو بقلبه؟ وجاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة، وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها، فمن ذلك، ما أخرجه النسائى بإسناد صحيح، وصححه الحاكم أيضا من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد- صلى الله عليه وسلم- «١» .

ومنها: ما أخرجه مسلم من طريق أبى العالية عن ابن عباس فى قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى «٢» وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى «٣» قال: رآه بفؤاده مرتين «٤» وله: من طريق عطاء عن ابن عباس قال: رآه بقلبه. وأصرح من ذلك: ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء عن ابن عباس قال: لم يره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعينيه وإنما رآه بقلبه.

وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفى عائشة، بأن يحمل نفيها على رؤية البصر، وإثباته على رؤية القلب. لكن روى الطبرانى فى الأوسط بإسناد رجاله رجال الصحيح، خلا جهوّر بن منصور الكوفى، وجهور بن منصور قد ذكره ابن حبان فى الثقات، عن ابن عباس أنه كان يقول: إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- رأى ربه مرتين، مرة ببصره ومرة بفؤاده.


(١) أخرجه النسائى فى «الكبير» (١١٥٣٩) ، والحاكم فى «المستدرك» (١/ ١٣٣) و (٢/ ٣٠٩ و ٥٠٩) .
(٢) سورة النجم: ١١.
(٣) سورة النجم: ١٣.
(٤) صحيح: أخرجه مسلم (١٧٦) فى الإيمان، باب: معنى قول الله عز وجل: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى.