للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ «١» فقال: لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا، صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا. قال ابن كثير: غريب، لا يعرف إلا من هذا الوجه ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة والله أعلم.

ومما نسب لإمام الحرمين فى «لمع الأدلة» أنه قال: من أصحابنا من قال:

إن الرب تعالى يرى ولا يدرك، لأن الإدراك يا بنى عن الإحاطة، ودرك الغاية، والرب جل جلاله تقدس عن الغاية والنهاية، ثم قال: فإن عارضوا بقوله تعالى فى جواب موسى- عليه السّلام-: لَنْ تَرانِي «٢» وزعموا: أن «لن» تفيد النفى على التأبيد، قلنا: هذه الآية أوضح الأدلة على جواز الرؤية، فإنها لو كانت مستحيلة لكان معتقد جواز الرؤية ضالا وكافرا، وكيف يعتقد ما لا يجوز على الله تعالى من اصطفاه لرسالته واختاره لنبوته، وخصه بكرامته، وشرفه بتكليمه، وجعله أفضل أهل زمانه، وأيده ببرهانه، وكيف يجوز على الأنبياء الريب فى أمر يتعلق بعلم الغيب. فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسى- عليه السّلام- جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجز، فرجع النفى فى الجواب إلى الإنجاز، وما سأل موسى- عليه السّلام- ربه رؤيته فى المال، فصرف النفى إليه، والجواب يدل على قضية الخطاب، انتهى.

وقال البيضاوى: فى هذه الآية دليل على أن رؤيته تعالى جائزة فى الجملة، لأن طلب المستحيل من الأنبياء محال، وخصوصا ما يقتضى الجهل بالله تعالى، ولذلك رده بقوله: لَنْ تَرانِي «٣» دون: لن أرى، انتهى.

ونقل القاضى عياض عن أبى بكر الهذلى، فى الآية، أن المراد: ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إلىّ فى الدنيا، وأنه من نظر إلىّ مات. قال: وقد رأيت لبعض السلف والمتأخرين ما معناه: أن رؤيته تبارك وتعالى فى الدنيا


(١) سورة الأنعام: ١٠٣.
(٢) سورة الأعراف: ١٤٣.
(٣) سورة الأعراف: ١٤٣.