للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له فى الدار الآخرة. وقال آخرون من المعتزلة، بمقتضى ما فهموا من هذه الآية: أنه لا يرى فى الدنيا ولا فى الآخرة، فخالفوا أهل السنة والجماعة فى ذلك، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-.

أما الكتاب: فقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «١» وقوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ «٢» قال الإمام الشافعى- رحمه الله-: فدل هذا على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى. وأما السنة: فقد تواترت الأخبار عن أبى سعيد، وأبى هريرة، وأنس وجرير، وصهيب، وبلال، وغير واحد من الصحابة عن النبى- صلى الله عليه وسلم-: أن المؤمنين يرون الله تبارك وتعالى فى الدار الآخرة فى العرصات، وفى روضات الجنات، جعلنا الله منهم. وقيل: المنفى فى الآية، إدراك العقول: قال الحافظ ابن كثير: وهو غريب جدّا، وخلاف ظاهر الآية.

وقال آخرون: لا منافاة بين إثبات الرؤية ونفى الإدراك، فإن الإدراك أخص من الرؤية، ولا يلزم من نفى الأخص انتفاء الأعم. ثم اختلف هؤلاء فى الإدراك المنفى، ما هو؟ فقيل: معرفة الحقيقة، فإن هذا لا يعلمه إلا هو، وإن رآه المؤمنون، كما أن من رأى القمر فإنه لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيته، فالعظيم أولى بذلك، وله المثل الأعلى. وقال آخرون: المراد بالإدراك الإحاطة، قالوا: ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرؤية: كما لا يلزم من عدم الرؤية عدم العلم. وفى صحيح مسلم (لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) «٣» ولا يلزم من هذا عدم الثناء فكذلك هذا.

وروى ابن أبى حاتم عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى


(١) سورة القيامة: ٢٢، ٢٣.
(٢) سورة المطففين: ١٥.
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٤٨٦) فى الصلاة، باب: ما يقال فى الركوع والسجود، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.