للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على كل الأحوال، وقدر قدرا وقد أن لا ينفذ، ويكون رفعه بسبب دعاء أو صدقة أو غير ذلك، فلأجل ما ركب فى موسى- عليه السّلام- من اللطف والرحمة بالأمة طمع لعل أن يكون ما اتفق لأمته من القدر الذى قدره الله تعالى وقدر ارتفاعه بسبب الدعاء والتضرع إليه، وهذا وقت يرجى فيه التعطف والإحسان من الله تعالى، لأنه وقت أسرى فيه بالحبيب الكريم، ليخلع عليه خلع القرب والفضل الجسيم، فطمع الكليم لعل أن يلحق لأمته من هذا الخير العظيم نصيبا. وقد قال نبينا- صلى الله عليه وسلم-: «إن لله نفحات فتعرضوا لنفحات الله» «١» .

وهذه نفحة من النفحات فتعرض لها موسى، فكان أمرا قد قدر، والأسباب لا تؤثر إلا بما سبقت القدرة بأنها فيه تؤثر، وما كان قضاء نافذا لا تؤثر فيه ولا ترده الأسباب، حتم قد لزم.

وفى بكائه- عليه السّلام- وجه آخر، وهو البشارة لنبينا- صلى الله عليه وسلم- وإدخال السرور عليه، وذلك قول موسى- عليه السّلام- الذى هو أكثر الأنبياء أتباعا-: إن الذين يدخلون الجنة من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- أكثر مما يدخلها من أمتى.

وأما قول موسى- عليه السّلام-: (لأن غلاما) ولم يقل غير ذلك من الصيغ، فإشارة إلى صغر سنة بالنسبة إليه. وفى القاموس: الغلام: الطار الشارب، والكهل ضده. وقال الخطابى: العرب تسمى الرجل المستجمع السن غلاما، ما دامت فيه بقية من القوة.

قال فى فتح البارى: ويظهر لى أن موسى- عليه السّلام- أشار إلى ما أنعم الله به على نبينا من استمرار القوة فى الكهولة إلى أن دخل فى أول سن الشيخوخة، ولم يدخل على بدنه هرم، ولا اعتراه فى قوته نقص، حتى إن الناس فى قدومه المدينة لما رأوه مردفا أبا بكر، أطلقوا عليه اسم الشاب وعلى أبى بكر اسم الشيخ، مع كونه فى العمر أسن من أبى بكر والله أعلم، وقد ذكر ذلك فى الهجرة من المقصد الأول.


(١) ذكره الهيثمى فى «المجمع» (١٠/ ٢٣١) عن أنس وقال: رواه الطبرانى وإسناد رجاله رجال الصحيح، غير عيسى بن موسى بن أياس بن البكير، وهو ثقة.