للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى رواية للبخارى ومسلم: فعرج، وهو بفتح العين بمعنى صعد. وفى حديث أبى سعيد عند البيهقى: حتى انتهى إلى باب من أبواب السماء يقال له: باب الحفظة، وعليه ملك يقال له إسماعيل تحت يده اثنا عشر ألف ملك.

وفى رواية شريك- عند البخارى أيضا- ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء الدنيا: من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا:

مرحبا وأهلا، فيستبشر به أهل السماء «١» ، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به فى الأرض حتى يعلمهم، أى على لسان من شاء كجبريل.

ووقع فى هذه الرواية أنه رأى فى سماء الدنيا النيل والفرات عنصرهما.

وظاهره يخالف حديث مالك بن صعصعة فإن فيه بعد ذكر سدرة المنتهى: فإذا فى أصلها أربعة أنهار. ويجمع بينهما: بأن أصل نبعهما من تحت سدرة المنتهى ومقرهما فى السماء الدنيا، ومنها ينزلان إلى الأرض. ووقع فى هذه الرواية أيضا: ثم مضى به فى سماء الدنيا فإذا هو بنهر آخر، عليه قصور من لؤلؤ وزبرجد، وأنه الكوثر. وهو مما استشكل من رواية شريك، فإن الكوثر من الجنة، والجنة فوق السماء بالسابعة. ويحتمل أن يكون تقديره: ثم مضى فى السماء الدنيا إلى السابعة فإذا هو بنهر.

ثم إن فى قوله فى الحديث «افتح» دلالة على أنه صادف أبواب السماء مغلقة، والحكمة فى ذلك- والله أعلم- التنويه بقدره- صلى الله عليه وسلم-، وتحقيق أن السماوات لم تفتح أبوابها إلا من أجله، ولو وجدها مفتوحة لم يتحرر أنها فتحت لأجله، فلما فتحت له تحقق- صلى الله عليه وسلم- أن المحل مصون، وأن فتحه له كرامة وتبجيل.

وأما قوله فى الحديث: «أرسل إليه؟» وفى رواية «بعث إليه؟» فيحتمل أن يكون استفهم عن الإرسال إليه للعروج إلى السماء، وهو الأظهر لقوله:

«إليه» لأن أصل بعثته قد اشتهر فى الملكوت الأعلى.


(١) تقدمت رواية شريك أكثر من مرة.