وقيل: سألوه تعجبا من نعمة الله عليه بذلك، واستبشارا به، وقد علموا أن بشرا لا يترقى هذا الترقى إلا بإذن من الله تعالى، وأن جبريل لا يصعد إلا بمن أرسل إليه.
وقد قيل: إن الله تعالى أراد إطلاع نبيه على أنه معروف عند الملأ الأعلى، لأنهم قالوا: أبعث إليه؟ أو: أرسل إليه؟ فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع له، وإلا لكانوا يقولون: ومن محمد مثلا؟ ولذلك أجابوا بقولهم: مرحبا به ولنعم المجىء جاء، وكلامهم بهذه الصيغة أول دليل على ما ذكرناه من معرفتهم بجلالته وتحقيق رسالته، ولأن هذا أجل ما يكون من حسن الخطاب والترفيع، على المعروف من عادة العرب.
وأما قوله:«من معك؟» فيشعر بأنهم أحسوا به- صلى الله عليه وسلم-، وإلا لكان السؤال بلفظ: أمعك أحد؟ وهذا الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة، وإما بأمر معنوى كزيادة أنوار ونحوها. قاله الحافظ ابن حجر. ولعله أخذه من كلام العارف ابن أبى جمرة، حيث قال فى «بهجته» : الثانى أن يكون سؤالهم له لما رأوا حين رأوا إقباله عليهم من زيادة الأنوار وغيرها من الماثر الحسان زيادة على ما يعهدونه منه. قال: وهذا هو الأظهر، كأنهم قالوا: من الشخص الذى من أجله هذه الزيادة معك؟ فأخبرهم بما أرادوا وهو تعيين الشخص باسمه حتى عرفوه، انتهى. وقد قال بعض العلماء: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «١» أنه رأى صورة ذاته المباركة فى الملكوت فإذا هو عروس المملكة.
وأما قولهم له:«مرحبا به ولنعم المجىء جاء» فيحتمل أن يكونوا قالوه لما عاينوه من بركاته- صلى الله عليه وسلم- التى سبقته للسماء مبشرة بقدومه. وفيه تقديم وتأخير، والتقدير: جاء فنعم المجىء مجيئه، وإنما لم يقل الخازن: مرحبا بك، بصيغة الخطاب، بل قال بصيغة الغيبة لأنه حياه قبل أن يفتح الباب، وقبل أن يصدر من النبى- صلى الله عليه وسلم- خطاب، ويحتمل أن يكون حياه بصيغة الغيبة تعظيما له، لأن «هاء» الغيبة ربما كانت أفخم من كاف الخطاب.
وأما قوله فى الحديث: (فإذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعن يساره