أن ذلك وقع تأنيسا له بالعادة، فى مقام خرق العادة، لأن العادة جرت أن الملك إذا استدعى من يختص به بعث إليه بمركوب سنى يحمله عليه فى وفادته إليه.
وفى كلام بعض أهل الإشارات: لما كان- صلى الله عليه وسلم- ثمرة شجرة الكون ودرة صدفة الوجود، وسرّ معنى كلمة «كن» ولم يكن بد من عرض هذه الثمرة بين يدى مثمرها رفعها إلى حضرة قربه، والطواف بها على ندمان حضرته، أرسل إليه أعز خدام الملك عليه، فلما ورد عليه قادما، وافاه على فراشه نائما، فقال له قم يا نائم، فقد هيئت لك الغنائم. قال: يا جبريل إلى أين؟ قال: يا محمد ارفع «الأين» من البين، إنما أنا رسول القدم أرسلت إليك لأكون من جملة الخدم، يا محمد أنت مراد الإرادة، الكل مراد لأجلك، وأنت مراد لأجله، أنت صفوة كأس المحبة، أنت درة هذه الصدفة، أنت شمس المعارف، أنت بدر اللطائف، ما مهدت الدار إلا لأجلك، ما حمى ذلك الحمى إلا لوصلك، وما روّق كأس المحبة إلا لشربك. فقال- صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل فالكريم يدعونى إليه، فما الذى يفعل بى؟ قال: ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: يا جبريل هذا لى، فما لعيالى وأطفالى؟ قال: ولسوف يعطيك ربك فترضى، قال: يا جبريل الآن طاب قلبى ها أنا ذاهب إلى ربى، ثم قال جبريل: يا محمد إنما جىء بى إليك الليلة لأكون خادم دولتك، وحاجب حاشيتك، وحامل غاشيتك، وجىء بالمركوب إليك لإظهار كرامتك، لأن من عادة الملوك إذا استزاروا حبيبا أو استودعوا قريبا وأرادوا ظهور إكرامه واحترامه أرسلوا أخص خدامهم وأعز نوابهم لنقل أقدامهم، فجئناك على رسم عادة الملوك وآداب السلوك، ومن اعتقد أنه وصل إليه بالخطا فقد وقع بالخطأ، ومن ظن أنه محجوب بالغطا فقد حرم العطا.
انتهى «١» .
والحكمة فى كون البراق دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، ولم يكن على شكل الفرس، إشارة إلى أن الركوب كان فى سلم وأمن لا فى حرب
(١) قلت: ومنذ متى نأخذ ديننا من أهل الإشارات، أجهل الأمة بهذا الدين، والأولى العمل بأهل التصريحات الذين هم سلف هذه الأمة الصحابة والتابعون على هداهم إلى يوم الدين.