- صلى الله عليه وسلم- من تعظيم شعائر الله، وإشارة لأمته بالفعل بتعظيم شعائر الله، كما نص لهم عليه بالقول.
وأما قوله:«ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بى جبريل حتى أتى السماء الدنيا» وفى رواية عنده فى الصلاة «ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء» . فظاهره:
أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء.
قال العارف ابن أبى جمرة: أفاد ذلك أنهم كانوا يمشون فى الهواء، وقد جرت العادة بأن البشر لا يمشى فى الهواء، سيما وقد كان راكبا على دابة من ذوات الأربع، لكن لما أن شاءت القدرة ذلك كان، فكما بسط الله تعالى لهم الأرض يمشون عليها، كذلك يمشون فى الهواء، كل ذلك بيد قدرته، لا ترتبط قدرته تعالى بعادة جارية. وقد سئل- صلى الله عليه وسلم- حين أخبر عن الأشقياء الذين يمشون على وجوههم يوم القيامة فقال- صلى الله عليه وسلم-: «الذى أمشاهم فى الدنيا على أقدامهم قادر أن يمشيهم يوم القيامة على وجوههم»«١» . انتهى.
وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على أن المعراج كان فى ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، لكون الإسراء إليهم لم يذكر هنا. فأما المعراج ففى غير هذه الرواية من الأخبار أنه لم يكن على البراق، بل رقى فى المعراج وهو السلم، كما وقع التصريح به فى حديث عند ابن إسحاق والبيهقى فى الدلائل كما سيأتى- إن شاء الله تعالى-.
ويمكن أن يقال: ما وقع هنا اختصار من الراوى، والإتيان ب «ثم» المقتضية للتراخى لا ينافى وقوع الإسراء بين الأمرين المذكورين، وهما:
الانطلاق والعروج. وحاصله: أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، وثابت البنانى قد حفظ الحديث. ففى روايته عند مسلم: أنه أتى بيت المقدس فصلى فيه ثم عرج إلى السماء كما سيأتى- إن شاء الله تعالى-. وقد قيل:
إن الحكمة فى الإسراء به راكبا، مع القدرة على طى الأرض له، إشارة إلى
(١) صحيح: والحديث أخرجه مسلم (٢٨٠٦) فى صفة القيامة، باب يحشر الكافر على وجهه، من حديث أنس- رضى الله عنه-.