بالعهد هو القيام به والعمل بمقتضاه والمحافظة عليه وعدم نقضه، لأنه الغدر بعينه «إِنَّ الْعَهْدَ» وضع جل شأنه الظاهر موضع المضمر لكمال الاعتناء، وإلا لقال «إنه» لأن الضمير يعود على العهد المذكور قبله «كانَ مَسْؤُلًا» ٣٤ عنه في الدنيا ومكلف بالقيام به ومؤاخذ عليه في الدنيا والآخرة، وتقدم كيفية أخذ العهد من قبل الله في الآية ١٧٢ من سورة الأعراف المارة. واعلم أن الإخلال بالعهد من الكبائر، فقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه عدّ من الكبائر نكث الصفقة أي الغدر بالمعاهدة، وصرح شيخ الإسلام العلائي بأنه جاء في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه سماه كبيرة، وقال بعض المحققين إن العهد هنا هو التكليفات الشرعية، والوفاء به حفظ ما يقتضيه القيام بموجبه. ويقال وفي بالتخفيف والتشديد وأو في بالمزيد وكلها بمعنى واحد، إلا أن التشديد في الثاني يدل على التكثير والمبالغة والمزيد أي الأخير فيه زيادة حرف وزيادة البناء تدل على زيادة المعنى. واعلم أن العهود باعتبار المعهود والمعاهد بكسر الهاء وفتحها ثلاثة أنواع: الأول بين الله وعباده، والثاني بين العبد ونفسه، والثالث بين الناس بعضهم لبعض. وكل واحد باعتبار الموجب له جهتان جهة أوجبها العقل وهو ما ذكر الله تعالى معرفته في الإنسان فيتوصل إليه إما يبدهية العقل أو بأدنى نظر واستدلال عليه، يؤيده قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) الآية ١٧٢ من الأعراف المارة، وجهة أوجبها الشرع وهو ما دلّنا عليه كتاب الله تعالى أو سنة نبيه، فذلك ستة أضرب، وكل واحد من ذلك إما أن يلزم ابتداء أو يلزم بالتزام الإنسان إياه، والثاني أربعة أقسام:
فالأول واجب الوفاء به كالنذور المتعلقة بالقرب، مثل أن يقول علي أن أصوم كذا وكذا إن عافاني الله من مرضي هذا أو أتصدق بكذا، الثاني يستحب الوفاء به ويجوز تركه كمن حلف على ترك مباح فإن له أن يكفّر عن يمينه ويفعل المحلوف عليه متى أراد، الثالث يستحب ترك الوفاء به وهو ما جاء في قوله صلّى الله عليه وسلم إذا حلف أحدكم على شيء فرأى غيره خيرا منه، فليأت الذي هو خير منه وليكفر عن يمينه ولا يفعل المحلوف عليه، الرابع واجب ترك الوفاء به مثل أن يقول على أن أقتل فلانا أو أغتصب ماله ونحوه، فعليه أن يعرض عن حلفه ويكفّر عن يمينه فيحصل