«لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ» بأن يوقعوا فيكم أفعالا عنيفة فظيعة تخزيكم خزيا يظهر أثر كآبته على وجوهكم بأكثر مما فعلوه بكم في المرة الأولى من الخزي والعار والهوان والذل والصغار «وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ» عنوة فينتهكوا حرمته ويهدموه ويحرقوا ما فيه من الكتب والآثار ويقتلون من يحتمي به ومن في جواره من علماء وأحبار وربانيين وغيرهم «كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ» إذ فعلوا به وبكم ذلك ولم يرعوا له حرمة ولا لكم رحمة «وَلِيُتَبِّرُوا» يهلكوا ويمزقوا ويفتتوا «ما عَلَوْا» عليه من نفس ومال وبناء «تَتْبِيراً» ٧ لم تتصوره عقولكم والتتبير في اللغة التهديم، قال الشاعر:
وما الناس إلا عاملان فعامل ... يتبّر ما يبني وآخر رافع
أي أنهم يهدمون البناء والبنية من كل ما غلبوا عليه. قال سعيد بن جبير التتبير كلمة نبطية بمعنى الهلاك، أي يهلكون كل ما استولوا عليه أو وصلت إليه أيديهم دون رأفة، ولكن بني إسرائيل أنستهم نعم الله الشكر فعادوا إلى ما نهوا عنه فسلط الله عليهم الفرس والروم فقتلوهم شر قتله وسبوهم أشنع سبي ونهبوهم أفظع نهب.
مطلب واقعتا بني إسرائيل وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:
وخلاصة القصتين على ما ذكره الأخباريون من القصاص أن بني إسرائيل كانوا قبل داود عليه السلام، إذا ملك الله عليهم ملكا بعث معه نبيا يسدد أمره ويرشده، فلا يستبد بشيء دون مشورته، وكانوا تابعين لأحكام التوراة، إذ لم ينزل الله لهم كتابا بعدها إلى زمن عيسى عليه السلام، إذ أنزل عليه الإنجيل بتعديل بعض أحكامها فيما يختص بالمعاملات وفروع بعض العبادات أما ما يتعلق بأصول الدين الثلاثة الاعتراف بالإله الواحد والنبوة والرسالة والبعث والحساب، فمكلف بها جميع الخلق من نشأتهم إلى إبادتهم، لأنها لا تقبل التعديل ولا التأويل البتة، أما القاعدة الشرعية وهي تبدل الأحكام بتبدل الأزمان فهي خاصة بالمعاملات بين الناس فقط، أما ما يتعلق بالعبادات وفروعها فلا تبديل ولا تغير، على أنه قد يقع بعض تغير في فروع العبادات من حيث القلة والكثرة في العود والأوقات ونوع التوبة والعفو والقصاص ومقدار الزكاة ولزوم الحج والرخص والعزائم وشبهها كما سيأتي في الآية