للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشكر «وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ» أعلمناهم في التوراة وقلنا لهم على لسان رسولهم وحيا «لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ» التي بوأناكم إياها من الشام وبيت المقدس وأطرافهما بأنكم ستعملون فيها الشرور والمعاصي والعبث بالناس «مَرَّتَيْنِ» الأولى قتل شعيا وحبس أرميا عليهما السلام حين إنذراهم سخط الله تعالى إن لم يقلعوا ممّا هم عليه، والثانية قتل يحيى والتصدي لقتل عيسى عليهما السلام لما دعواهما إلى الله والدين الحق الذي عبثوا به وغيروا أحكامه، يقول الله تعالى وعزتي وجلالي لتفعلنّ ذلك «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً» ٤ فتتكبرون على الناس وتظلمونهم وسنسلط عليكم من لا يرحمكم انتقاما لهم «فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما» أي العذاب الموقت المقدر لعقاب المرة الأولى لعدم ارتداعكم عن الإفساد واغتراركم بإمهال الله «بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا» مسخرين فيما نقضيه فيكم على أيديهم قالوا هو بختنصر الذي لم يعرف اسم أبيه، وكان عاملا على العراق لملك الأقاليم (لهراست ابن كى اجنود) وكان ذلك مشتغلا بقتال الترك فوجه بختنصر إلى بني إسرائيل وهذه الإضافة ليست للتشريف لأن الكافر ليس بأهل له ولكن من قبيل قوله تعالى:

(كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) الآية ١٢٩ من الأنعام في ج ٢، ولأنها جاءت باللام المفيدة للملك والكل مملوكون فلا محل للقول بأنها أي جملة (عبادا لنا) اضافة تشريفية البتة وعلى هذا ما ورد في الحديث القدسي (الظالم سيفي أنتقم به وأنتقم منه) أي أنه آلة للانتقام فيكون المراد من الآية والحديث بيان كون هؤلاء المسلطين مظاهر لأسمائه تعالى المذل المنتقم الجبار ثم وصف هؤلاء العباد بأنهم «أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» في القتال أصحاب شوكة وبطش في الحرب لا يقاومون لشدة شكيمتهم وكثرة عددهم وعددهم الدال عليه التنوين «فَجاسُوا» أي يجوسون، وجاء بلفظ الماضي لتحقق وقوعه أي أنهم إذا جاءوكم لا يكتفون بقتل للقاتل منكم بل انهم يطوقون المنازل ويتحرون الفارين والمخبّئين لاستقصاء القتل والسلب والأسر، فلا يتركون أحدا من شرهم، ولهذا فإنهم يفتشون «خلال» بين وأواسط وأطراف «الدِّيارِ» الكائنة في بيت المقدس فيقتلون من عثروا عليه فيها من علمائهم وأحبارهم ووجهائهم غير مراعين حرمته ومن بجواره حتى إنهم ليخرّبون البيت نفسه ويحرفون

<<  <  ج: ص:  >  >>