المؤمنين ج ٢ وهي مكررة كثيرا في القرآن، فأخبرهم الله بمعرض الرّد عليهم بأنه يجتبي من هؤلاء وهؤلاء ما يشاء بقوله «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا» كجبريل وإخوانه «وَمِنَ النَّاسِ» رسلا أيضا كمحمد وإخوانه عليهم الصّلاة والسّلام ومن قبلهم ممن شاء وخصته السّعادة ولهذا لا يعبا بأقوالهم التافهة «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لها وعالم بوقوعها منهم قبل خلقهم «بَصِيرٌ» بمن يختصه للملكية والرّسالة. قال تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الآية ١٣٥ من الأنعام ج ٢ وهو
«يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» وجميع ما هو كائن وما سيكون من رسل الفريقين والمرسل إليهم أجمع «وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»(٧٣) كلها ويحاسب أهلها عليها قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ» بجميع أنواعه وأصنافه وأجناسه قولا وفعلا ونية «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(٧٧) فتفوزون بأنواع الخير عند الله في الدّنيا والآخرة. واعلم أن الخير كله مجموع في أربعة: النظر والحركة والنّطق والصّمت، فكل نطق لا يكون في عبرة فهو غفلة، وكلّ حركة لا تكون في عبادة فهي فترة، وكلّ نطق لا يكون في ذكر فهو لغو، وكلّ صمت لا يكون في فكر فهو سهو.
هذا وتقدم البحث فيما يتعلق بالسجود في الآية ١٥ من سورة الرّعد المارة، وفيها ما يرشدك لبحثه في غيرها. واعلم أن السّجدات المتفق عليها في القرآن العظيم أربع عشرة ليس منها هذه، والسّجود فيها واجب وقال بعض الأئمة بسنية السّجود عند تلاوة هذه الآية مستدلا بما أخرجه الترمذي وأبو داود عن عتبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما. وأخرج مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب أنه قرأ الحج فسجد فيها سجدتين، وقال ان هذه السّورة، فقلت بسجدتين وناهيك به قدوة، وقد أخذ بهذا الشّافعي رحمه الله وقال أبو حنيفة ومالك والحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسفيان الثوري إنها سجدة صلاة بدليل اقترانها بالركوع، ولو كانت سجدة تلاوة لما اقترنت به كسائر سجدات القرآن، وقد مرت السّجدة الأولى في الآية ١٦ منها قال تعالى «وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» بأن تستفرغوا جهدكم تبذلوا طاقتكم