ربكم الواحد الفرد الصّمد. من جميع أوثانكم «لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً» ولا أقل منه وأحقر «وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ» كلهم وتعاونوا على خلقه لما استطاعوا البتة. والأنكى من ذلك أنه إذا وقعت على شيئهم لا يقدرون على منعه، ولكن لأنه كلما ذب آب إلّا إذا قتلوه «وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ» على ضعفه وهوانه «شَيْئاً» من الأشياء أو جزءا قليلا منه «لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ» أيضا ولا يقدرون على استخلاصه منه مع عظمهم بالنسبة إليه إذ قد «ضَعُفَ الطَّالِبُ» الذباب السّالب «وَالْمَطْلُوبُ» ٧٣ المسلوب منه وهي أوثانهم لأن منها ما هو جماد وهو أضعف من الذباب بدرجات كثيرة وعابدوها أجهل من كلّ جاهل داخل من كلّ مثال، لأن الذي لا يحمي نفسه من الذباب كيف تطلب منه الحماية، وكيف يعبد، وكيف يرجى منه جلب نفع أو دفع ضر؟ وإن كان حيوانا فهو كذلك أيضا بل أكثر شرا لاحتياجه للأكل والشّرب والحراسة، وإن كان إنسانا فكذلك، لأنه لا يقدر أن يحرس نفسه من أقدار الله ولا يتحرك إلّا بإذن الله وإرادته، وهو متبرئ من عبادتهم، وان الله خالقهم وخالق كلّ شيء، أفلا يعبدونه مع كمال عظمته وبالغ قدرته ويركنون إليه عند حاجتهم في الشّدة والرّخاء، ولهذا فاتركهم يا سيد الرّسل فإنهم جهال «ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» ولا عرفوه حق معرفته ولا مجدوه حق تمجيده وما علموا غاية قبح فعلهم إذ أشركوا به وسموا باسم ما هو أبعد الأشياء عنه، تقدم مثل هذه الجملة في الآية ٦٨ من سورة الزمر والآية ٩١ من الأنعام ج ٢ ولفظ الذباب لم يكرر في القرآن «إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ» على خلق الممكنات بأسرها وإفناء الموجودات كلها «عَزِيزٌ» ٧٤ غالب قاهر لجميع الأشياء وهذه الجملة تعليل لما قبلها من نفي معرفتهم له تعالى. قال ابن عباس كانوا يطلبون الأصنام طيبا فيقع الذباب عليها فيسلبها طيبها فلا تقدر على منعه ولا يقدر الكفرة حراسها على استرداد ما سلبه منها فكيف يقدرون على خلقه، ثم ساق حكاية أخرى من أحوال الكفرة من قولهم (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) الآية ٢٢ من سورة الفرقان ج ١ وقولهم (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) الآية ٣١ من سورة