وأعظم من ذلك حيث لا يكون لهم فيها من يقيهم منه أو يشاركهم به فيخفف عليهم «وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ»
في الآخرة حين يحل بهم عذابها «مِنْ واقٍ»
(٣٤) يقيهم منه أبدا، قال تعالى «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» المعاصي والآثام، القائمون بالأوامر والأحكام، المتنعون عن النّواهي والاجرام، كمثل جنة عظيمة «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» وميزتها عن جنّات الدّنيا أيها العاقل كثيرة، ولكن الله تعالى ذكر منها خصلتين عظيمتين وهما «أُكُلُها دائِمٌ» لا ينقطع على الأبد «وَظِلُّها» دائم أيضا وحذف لفظ دائم هنا اكتفاء بذكره قبل، راجع الآية ٨٤ من سورة النّساء، وذلك أنه لاليل فيها ولا نهار، وفي هذه الآية ردّ على جهم وأضرابه القائلين بفناء نعيم الجنّة، لأن الله يقول دائم ما فيها، فلأن تكون هي دائمة من باب أولى، إذ لا يعقل أن يكون نعيمها دائما وهي فانية، تدبر «تِلْكَ» الجنّة الدّائم نعيمها أيها الإنسان هي «عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا» ربهم في الدّنيا فكافأهم بها بآخرتهم لقاء إيمانهم به وبرسوله وكتابه بأن جعل مثواهم في هذه الجنّة و «عُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ»(٣٥) وبئس العاقبة هي أجارنا الله منها. قال تعالى «وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» أي من أسلم منهم، فإنه يسرّ بالأحكام لمنزلة عليك يا حبيبي الدالة على التوحيد والنّبوة والمعاد لأنها مؤيدة لما في كتبهم، قالوا كانوا ثمانين رجلا أربعون من نصارى نجران الوفد الذي أشرنا إليه أول سورة آل عمران، إلى بضع وثمانين آية منها، وثلاثون من الحبشة أصحاب النّجاشي، وعشرة من اليهود عبد الله بن سلام وأصحابه، وفرحهم من جهتين: الأولى أنه منزل من الحق على لسان محمد صلّى الله عليه وسلم، والثانية تأييد دعواهم للاسلام وإخفاق دعوى من لم يسلم وإذلاله
«وَمِنَ الْأَحْزابِ» الّذين تحزبوا على الرّسل قبلك والّذين تحزبوا عليك في حادثة الخندق المارة في الآية ٩ من سورة الأحزاب «مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ» لأن اليهود الّذين تحزبوا مع قريش وغطفان وغيرهم على حرب حضرة الرّسول وأصحابه لا ينكرون كلّ القرآن بل يعترفون بما فيه من المعاد والتوحيد والنّبوة، وقصص