«قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ» فتقرع قلوبهم وتفطرها ولا يزالون فزعين من تأثيرها «حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ» بنصرك عليهم أو إهلاكهم أو ايمانهم «إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ»(٣١) الذي وعدك به يا سيد الرّسل من ظفرك بهم فلا يهولنّك تكذيبهم لك وسخريتهم بك «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ» من قبل قومهم كما استهزأ بك قومك الكفرة «فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا» بإطالة المدة وزيادة النعم حتى ظنوا أنهم على خير «ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ» على غرة وغفلة بعذاب عظيم إذ لم ينتفعوا بالإمهال وعاقبتهم «فَكَيْفَ كانَ عِقابِ ٣٢» لو رأيته أيها الإنسان لهالك أمره وأهابت بك فظاعته. واعلم أن المراد بالّذين آمنوا الواردة في منتصف الآية ٣١ السّالفة الرّسل وأتباعهم الّذين يحرصون على إيمان النّاس ويريدون أن يكونوا كلهم مؤمنين، وعلى هذا يجوز أن يكون فعل ييأس على ظاهره دون حاجة لتأويله بيعلم، وعلى هذا يكون المعنى ألم ييأسوا من هداية كل النّاس وقد قدمنا لهم عدم إمكانه وفقا لما هو ثابت في علمنا ومقدر بأزلنا راجع الآية ١٢٠ من سورة هود في ج ٢. فيا سيد الرّسل قل لهم على طريق الاستفهام «أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ» مثل هذا الإله العظيم كمن هو عاجز عن حفظ نفسه مثل الأوثان؟ كلا، ليسوا سواء، ولكن هؤلاء الكفرة سوّوا بينهم «وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ» من تلقاء أنفسهم تقليدا لما ابتدعه أسلافهم «قُلْ» لهم يا سيد الرّسل «سَمُّوهُمْ» من هم ونبؤوني بأسمائهم إن كنتم ثابتين على قولكم «أَمْ تُنَبِّئُونَهُ» جل جلاله «بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ» وهو عالم بما فيها وبما في السّماوات وليس فيها شركاء له «أَمْ» تتمسكون «بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ» الذي تلقيتموه عن أسلافكم بأن لله شريكا دون دليل أو حجة أو برهان، كلا لا هذا ولا ذاك «بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ» في المسلمين وكيدهم لهم بما ألقى الشّيطان في قلوبهم من وساوسه ودسائسه «وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ» الموصلة للرشد فضلوا عن الهدى «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ»(٣٣) يهديه البتة والّذين هذه صفتهم وماتوا عليها «لَهُمْ عَذابٌ»