إليه ورجع عن غيه دون آية ما بالنظر إلى أصل الخلقة ولما هو مدوّن في علمه تعالى، وهؤلاء المنيبون هم «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ» وحده، المعرضون عما سواه، وعما يقترحه الكافرون من طلب المعجزات «أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»(٢٨) الطاهرة ويستقر إليه يقينهم، فهلموا أيها المؤمنون لذكره إذا أردتم الهداية. ثم وصف المهتدين في الوفاء وصلة الرّحم وانهم هم «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» المطمئنة قلوبهم لذكر الله «طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ»(٢٩) في الآخرة، وطوبى مبالغة الطّيب كالحسنى مبالغة لأحسن ويعبر عنها بالجنة أو شجرة عظيمة فيها. وبما أنا وعدنا في تفسير الآية ٢٢ من سورة القتال المارة بذكر ما يتعلق بصلة الرّحم فإنا نورد هنا ما عنّ لنا بيانه وتبسر لنا تبيانه. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أخاديد (غدران تمسك الماء كالبرك) أمسكت الماء نفع الله بها النّاس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، بذلك مثل من فقه في دين الله وفقه ما بعثني الله به فتعلم وعلّم، ومثل من لم رفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به. وروى البخاري ومسلم عن عائشة قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الرّحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله. وأخرج الترمذي وأبو داود عن عبد الرّحمن بن عوف قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى أنا الرّحمن خلقت الرحم وشفقت لها اسما من اسمي (يريد جل جلاله الرّحمن الرّحيم) فمن وصلك وصلته ومن قطعك قطعته أو قال بتّته (البتّ أقصى غاية القطع
والقطع الذي لا وصل بعده) وروى البخاري عن أبي هريرة أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال من سره أن بسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه. ورويا عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنّة قاطع رحم. ورويا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ليس الواصل بالمكافىء (أي المقابل