هذه الآية إلى قول الفلاسفة إن النفس هي الجسم المعاين دون ما فيه من المعنى الباطن كما أشرنا إلى هذا المعنى آنفا في بحث النفس، وإنما خاطب الله تعالى حضرة الرسول وأصحابه المؤمنين كافة بهذا ليوطنهم على احتمال ما سيلقونه من الشدائد التي لا تقابل إلا بالصبر لئلا يرهقوا عند نزولها بهم على غرة فيجزعوا أو يشمئزوا، وهي عامة اللفظ والمعنى محكمة ثابتة الحكم بين الناس إلى يوم القيامة، وقد ظهر مصداقها في زماننا هذا بتولية الإفرنسيين علينا وفعل بعضهم كما ذكر الله في الآية ٢٤ من سورة النمل ج ١، وها نحن أولاء صابرون على أذاهم، وعسى الله أن يزيحهم عنا بتقوى أهل التقوى منا وهو على كل شيء قدير، إذ أصاب بعض المؤمنين منهم ما ذكره الله ولم يجدوا بدا إلا الصبر، فنسأله أن يقيض لنا من يجمع كلمة المسلمين ويرد لهم مجدهم ويدفع عنهم من يتسلط عليهم، ولا لوم إلا على أنفسنا، لأن ذلك كله بما كسبت أيدينا من ظلمنا بعضنا لبعض وتعاظمنا وانتصارنا للقوي والغني وعدم التفاتنا للضعيف والفقير والسكوت على المعاصي وهدر الحقوق والتقاطع ولا حول ولا قوة إلا بالله. روى البخاري ومسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، قال محمد ابن سلمة أتحب أن أقتله؟ قال نعم، قال فأذن لي فلأقل، قال قل، فأتاه فقال له وذكر ما بينهم، وقال إن هذا الرجل قد أراد الصدقة وقد عنانا، فلما سمعه قال وأيضا والله لتبلغه، قال إنا قد اتبعناه ونكره الآن أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء بصير أمره، قال وقد أردت أن تسلفني سلفا، قال فما ترهن عندي تأمينا لما تستلفه؟ فقال له ما شئت، قال أترهنني نساءكم، قال أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا، قال له ترهنون أولادكم؟ قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر، ولكن نرهنك اللّامة (أي السلاح) قال نعم، وأوعده أن يأتيه بالحارث وأبي عيسى بن جبير وعباد بن بشير، قال فجاءوا فدعوه ليلا، فنزل إليهم، قالت امرأته إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم، قال إنما هو محمد ورضيعي أبو ناثلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب، قال محمد لأصحابه إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه، فإذا استحكمت منه فدونكم، قال فلما نزل وهو متوشح