يا رسول الله إن الله أنزل (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) وهذا خاص في بني آدم لأن الخطاب لهم فأين ذكر موت الجن والأنعام والوحوش والملائكة والطيور وغيرها، فأنزل الله كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ» ووجه المناسبة بين هذه الآية والتي قبلها التهديد للكفرة بالمعاد، وهذه الجملة مكررة في الآية ٢٥ من سورة الأنبياء والآية ٢٧ من سورة العنكبوت في ج ٢ وفي غيرهما أيضا، أي لا ليهمنك تكذيبهم فمرجعهم إليّ بعد الموت وسأجازيهم على تكذيبهم وأكافئك على صبرك بدلالة قوله «وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» قليلها وكثيرها خفيها وظاهرها «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ» بالسعادة الأبدية لأن كل أحد قبل الدخول فيها خائف فزع منتظر ما يفعل به. ومن هنا يعلم حقيقة ما ذكرناه في الآية ٤٥ من سورة الأعراف ج ١ بأن لا دار غير الجنة والنار «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ»(١٨٥) لمن آثرها على الآخرة أما من طلبها للآخرة فهي متاع بلاغ لها جائز طلبه، والمتاع كل ما يمنع به الإنسان من مال أو غيره، والغرور كل ما يغتر به أنه دائم
وهو بال فإن، شبّه الدنيا بمتاع معيب دلّسه البايع على المشتري حتى إذا ظهر له عيبه وتبين غبنه فيه ندم، لأنه غرّ به. واعلم أن العلماء اختلفوا في حقيقة النفس والروح فمن قائل إنهما اسمان مترادفان لمعنى واحد، وعرّفوه بأنه جسم لطيف له مادة خاصة خلق منها وجعل على شكل معين وصورة معينة توجد داخل هذا البدن وهو مخالف لماهيته وينفذ في الأعضاء ويسري فيها سريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم مشابها لهذه الأعضاء وأفادها منه الحسّ والحركة الإرادية وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها خرجت عن قبول تلك الآثار وفارقت الروح البدن فانتقلت إلى العالم الثاني. ولا يجاريهم في هذا الرأي بعض أهل العلم والتصوف الذين يقولون إن للإنسان غير بدنه حياة وروحا ونفسا، وإن ما سبق من التعريف إنما ينطبق على النفس فقط لا على الروح، أما الروح فقال بعضهم ما قاله الله عز وجل (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الآية ٨٦