لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب وشكاه إلى الرسول فاستدعاه وقال ما حملك يا أبا بكر على ما صنعت؟ قال يا رسول الله إنه قال قولا عظيما، زعم أن الله فقير وهم أغنياء، فجحد فنخاص ذلك، فأنزل الله هذه الآية تكذيبا له وتصديقا لأبي بكر، وقد سمع الله قول «الَّذِينَ قالُوا» أي فنخاص المذكور وأضرابه لمالك بن الصيفي ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوت وحيي بن أحطب وكعب بن الأشرف «إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا» في التوراة على لسان موسى «أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ» آية نبوته حتى نصدقه كما وقع لابن آدم هابيل ومن بعده من الأنبياء فأنزل الله جل جلاله «قُلْ» لهم يا سيد الرسل «قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ» كزكريا ويحيى وعيسى «وَبِالَّذِي قُلْتُمْ» من القربان وغيره «فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ» بعد أن أتوكم بما طلبتم منهم «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(١٨٣) في دعواكم «فَإِنْ كَذَّبُوكَ» يا حبيبي في هذا مع علمهم بصدقه فلا تحزن ولا تضجر «فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» نوح وصالح وهود وإبراهيم وغيرهم مع أنهم «جاؤُ بِالْبَيِّناتِ» لأقوامهم «وَالزُّبُرِ» الكتب، يقال لكل كتاب فيه حكمة زبور، والقربان لكل ما يتقرب به، والزبر هي الكتب وبه سمي زبور داود عليه السلام، لأنه يزبر به الناس أي يزجرهم عن الباطل ويدعوهم إلى الحق «وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ»(١٨٤) الواضح كالتوراة والإنجيل ويطلق القربان على كل عبادة مالية أو بدنية وعلى الأقوال والأفعال المادية والمعنوية يدل على هذا قوله صلّى الله عليه وسلم: الصوم جنة والصلاة قربان وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل فإذا قربوا قربانا أو غنموا غنيمة جمعوها فتجيء نار بيضاء من السماء لا دخان لها ولها دوي وحفيف فتأكل ذلك القربان أو الغنيمة، فيكون دليلا على القبول، وإذا لم يقبل منهم يبقى على حاله ولم تنزل عليه نار تأكله. ولهذا البحث صلة في الآية ٢٧ من سورة المائدة الآتية قال السدي إن الله تعالى أمر بني إسرائيل في التوراة أن من جاءكم يزعم أنه رسول فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار، وحتى يأتيكم المسيح ومحمد، وكانت هذه العادة باقية إلى بعثة المسيح، ثم ارتفعت وزالت. ولما قال بعض الأصحاب