للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ما أصابهم من القتل والأمر والنهب والسبي ليس بشيء بالنسبة لما خبىء إليهم من العذاب «ذلِكُمْ» الذي أصابكم من الغلب والاندحار «فَذُوقُوهُ» معجلا لكم أيها المشركون «وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ» منكم الذين يموتون على كفرهم عذاب أشد وأقسى وأعظم وهو «عَذابَ النَّارِ» (١٤) في الآخرة التي لا تقواها القوى البشرية. ولما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم من حادثة بدر قيل له إذ وفقك الله على النفير فعليك بالبعير إذ تركت وليس دونها أحد، قال قتادة فناداه العباس من وثاقه لا يصلح لك، لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك، قال صدقت- أخرجه الترمذي-. وكانت هذه الحادثة يوم الجمعة في ١٧ رمضان السنة الثانية من الهجرة. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً» قادمين عليكم، والزحف انبعاث مع جر الرجل كانبعاث الصبي قبل أن يمشي (وتقول العامة يحبو) وسمي به الجيش الدّهم المتوجه إلى العدو لتكاثفه، فيرى لكثرته كأنه يزحف زحفا إذ يكون كالجسم الواحد في تراصه، فيظن رائيه أنه بطيء الحركة مع أنه مسرع، انظر إلى فلكة المهواية ودواليب المحركات وصدور الرحى وكل متناه في السرعة تراه كأنه واقفا، قال تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) الآية ٨٨ من سورة النمل في ج ١، وقيل في المعنى:

وأرعن مثل الطود تحسب أنه ... وقوف لجاج والركاب تهملج

أي إذا رأيتم أيها المؤمنون أعداءكم مقبلين عليكم على هذه الصورة فاستقبلوهم بصدوركم «فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) » فتنهزمون أمامهم وتعطونهم ظهوركم فإنهم يستخفونكم ويلحقونكم فيدركونكم ويستأصلونكم، ثم هدد الله تعالى الهارب من عدوه على هذه الصفة بقوله «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ» ظهره فرارا منهم يوم الزحف واشتداد المعركة «إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ» بأن يري عدوه الانهزام بقصد الكرة عليه أو يستدرجه فيطوقه من ورائه أو ينوي ضربا آخر من ضروب الحرب ومكايده وخدعه، لأن الحرب خدعة يجوز فيه ما لا يجوز في غيره، لأنه بعد أن استحل فيه سفك الدماء فلأن يحل فيه غيره من باب أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>