مسلم وغيره عن النواس بن سمعان، وجاء في رواية صحيحة: فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى يا عيسى إني أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحوّل عبادي إلى الطور (أي لا قدرة ولا طاقة يقال ما لي بهذا الأمر يد ولا يدان لأن المباشرة والدفاع إنما يكونان باليد واليدين فكأن يديه معدومتان لعجزه عن الدفع بهما) وذلك الوحي على لسان جبريل عليه السلام وما جاء في الخبر: (ألا لا وحي بعدي) باطل لا أصل له، وكذلك ما اشتهر أن جبريل عليه السلام لا ينزل إلى الأرض بعد وفاه النبي صلّى الله عليه وسلم باطل لا أصل له أيضا، ويرده خبر الطبراني: ما أحب أن يرقد الجنب حتى يتوضأ فإني أخاف أن يتوفى وما يحضره جبريل عليه السلام.
فإنه يدل على أن جبريل ينزل إلى الأرض ويحضر موت كل مؤمن توفاه الله على الإيمان وهو على طهارته، ومن نفى الوحي أراد نفى وحي التشريع وهو كذلك، لأن ما ذكر من الوحي وحي لا تشريع فيه، لأن شريعة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم باقية إلى الأبد، وان عيسى عليه السلام يحكم فيها ويبقى في الأرض أربعين سنة وقيل سبع سنين تتمة الثلاث والثلاثين سنة التي مكثها قبل رفعه والله أعلم، راجع الآية ٥٥ من سورة المؤمن المارة لتقف على ما يتعلق في هذا البحث، وان المهدي يقدمه للصلاة فيقول له إنما أقيمت لك ويصلي خلفه بما يدل على دفع توهم نزوله ناسخا بل متبعا لشريعة محمد ومؤيدا كونه مفتديا بشريعته، وما عدا هذه الصلاة يكون هو الإمام دائما، لأنه صاحب الوقت ولا يجوز أن يتقدم عليه أحد، وان الدنيا ستيتهج بأهلها مدة مكثه، ثم أنه عليه السلام يموت ويصلي عليه المؤمنون ويدفن بالحجرة الشريفة في الحرم النبوي. وما بعده من خير لأهل الأرض وإذ ذاك يكون بطنها خيرا من ظهرها، لأن موته عليه السلام علامة على قرب الساعة وهو حق واقع لا محالة «فَلا تَمْتَرُنَّ بِها» لا تشكوا بها أيها الناس إذ لا محل للشك في نزول عيسى ولا موته بعد إقامته المدة المقدرة له في الدنيا، قال تعالى «وَاتَّبِعُونِ» إيها الناس واهتدوا بهداي وتمسكوا برسلي وتعبدوا بشرعي «هذا» الذي أدعوكم إليه على لسان رسلي «صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» ٦١ يوصل إلى النجاة فإياكم أن تنحرفوا عنه «وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ» عن سلوك هذا الطريق السوي ولا تسمعوا