للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الأرض عني وهي نائبتي

وهذه دولة الأشباح قد حضرت ... فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

فمدها صلّى الله عليه وسلم وقبلها بحضور جم غفير وتناقلتها الركبان وشاع خبرها في مشارق الأرض ومغاربها، وألفت فيها الرسائل والمدائح، وقد رد الجلال السيوطي على منكري ذلك مستدلا بالحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي. وأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة، وأخرج الدارمي مثله من حديث أبي قتادة وقال الإمام محمد بن أبي جمرة: هذا يدل على أن من يراه في النوم فسيراه في اليقظة، وان رؤيته بصفته المعلومة إدراك الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للخيال.

هذا، وقد جاء في الخبر: ما من مسلم يسلم عليّ إلا ردّ الله تعالى عليّ روحي حتى أرد عليه السلام. وأخرج بن عدي عن أنس: بينا نحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ رأينا بردا ويدا، فقلنا يا رسول الله ما هذا البرد الذي رأينا واليد؟ قال قد رأيتموه؟ قالوا نعم، قال ذلك عيسى بن مريم سلم علي. وفي رواية ابن عسكر عنه كنت أطوف مع النبي صلّى الله عليه وسلم حول الكعبة إذ رأيته صافح شيئا لم أره، قلنا يا رسول الله رأيناك صافحت شيئا ولا نراه، قال ذلك أخي عيسى بن مريم انتظرته حتى قضى طوافه فسلمت عليه. فهذه الأحاديث وغيرها تدل دلالة واضحة على صحة الاجتماع بحضرة الرسول والأخذ عنه، ولا بدع فقد جاء بالقرآن العظيم خطاب الملائكة لمريم في الآية ٤٥ ولزكريا في الآية ٣٩ من آل عمران في ج ٣ ولإبراهيم ولوط في الآية ٦٩ فما بعدها من سورة هود المارة وغيرها، وثبتت رؤية الملائكة لكثير من أصحاب رسول الله بغير هورهم الحقيقية، وإن قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) الآية ٣٠ من سورة السجدة المارة تقيد جواز نزول الملائكة على غير الأنبياء. أما صفة ذاته الشريفة التي يجتمع بها من يراه وكيفية حياته في البرزخ وردّ روحه إليه كما جاء في الحديث فلا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، والصحيح أن عيسى عليه السلام قد يوحى إليه كما في حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>