للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من قال بإجزاء الثلثين، فإن كان من طريق سَحْبِ الحكم (١) في الأكثر على الأقل، فلا شك أنه مخالفٌ للقياس، وظاهرِ النص، لا سيما إذا سُلِّم أن الأصلَ هو وجوبُ الكل، فلا يبقى لهذا القول إلا التمسكُ بالاستحسان، أو بقاعدة مضطربة، فإنه لا يقوم الأكثرُ مقامَ الأقل في كل مكان، ونظائر ذلك كثيرة لا تحصى، فإن ادَّعى أن هذا من قبيل ما يُكْتَفَى به بالأكثر، فعليه البيان، فالمذهب ضعيف.

وكذلك من قال: يُكتفى بالثلث، والذي سمع في تعليله: أنه كثير بالحديث الذي فيه "والثلث كثير" (٢) وهذا أولًا: يخرجه سياقُ الحديث عن العموم في هذا المحل، والعمومُ يتخصَّص بالقرائن، وأقواها السياقُ، ثم يَضْعُف بكثرة التخصيصات في كثرةِ الثلث، وبناءُ الحكم على ذلك بما لا يُحصَى من الصور، ثم يضعف ثالثًا بأنه يحتاج إلى مقدمتين:

إحداهما: أنَّ الثلث كثير.

والثانية: أنَّ الكثير يُكْتَفَى به في مسح الرأس، فينتج أن الثلث يُكْتَفَى به في مسح الرأس، والثانيةُ ممنوعةٌ لا دليلَ عليها، فيطالب بإثباتها، فإنه لا نصَّ يدلُّ عليها، ولا لفظَ يرشد إليها، فالمذهب واهٍ، لا سيما وقد اضطرب مذهب مالك وأصحابه في آحاد الصور، ففي بعضها منع الثلث إلحاقًا له بالكثير، وفي بعضها لا.


(١) في الأصل: "يجب الحكم"، والمثبت من "ت".
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>