للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بَيّن ذلك أبو عُمَر بن عبد البر بما حكاه من الإجماع، بعد أن ذكر بإسناده عن وكيع قال: قال شعبة: "فلان عن فلان" ليس بحديث، قال وكيع: وقال سفيان: هو حديث. قال أبو عمر: ثم إن شعبة انصرف عن هذا إلى قول سفيان (١).

قال ابن رُشَيد: وما نقله مسلم رحِمَهُ الله عن العلماء الذين سَمَّى، ومن جملتهم شعبة من أنهم لا يتفقدون ذلك يدلك -أيضا- على رجوع شعبة كما ذكر أبو عمر.

فقد بان أنه لا يُعلَم لمتقدم فيه خلاف إذا جَمَعَ رواته العدالة واللقاء والبراءة من التدليس، وأن شعبة رجع عن قوله:

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى رجوع شعبة تحتاج إلى بيّنة، ولم يذكر ابن عبد البرّ، ولا غيره لذلك دليلًا، فإن تشديد شعبة في البحث عن السماع مشهور، فقد أخرج ابن أبي حاتم في "مقدمة الجرح والتعديل" عن شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الولاء وعن هبته"، قال شعبة: قلت لعبد الله بن دينار: أنت سمعته منه؟ ، قال: نعم سأله ابنه عنه. ثم أخرج أنه قيل لسفيان: إن شعبة استحلف عبد الله بن دينار، قال سفيان: لكنا لم نستحلفه، سمعناه مرارًا (٢).

وأخرج الخطيب في "الكفاية" من طريق أبي داود الطيالسيّ، وقراد، أنهما سمعا شعبة يقول: كلّ حديث ليس فيه "سمعت"، فهو خلّ وبقل (٣).

فرجوع شعبة عن هذا المذهب يحتاج إلى بيّنة واضحة. والله تعالى أعلم.

وقال الحافظ أبو عمرو المقرىء: وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها: "عن، عن" فهي -أيضا- مسندة متصلة بإجماع أهل النقل، إذا عُرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكا بَيِّنًا، ولم يكن ممن عُرِف بالتدليس، وإن لم يذكر سماعا، إلا أن قوله: "إدراكا بينا" فيه إجمال، وسنستوفي الكلام عليه في ذكر المذهب الثالث بحول الله تعالى.

(المذهب الثاني): وهو أيضا من مذاهب أهل التشديد، إلا أنه أخف من الأول، وهو ما حكاه الإمام أبو عمرو بن الصلاح قال: "وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يُشترط طول الصحبة بينهم" (٤).

قال ابن رُشيد: وهذا بلا ريب يتضمن السماع غالبا لجملة ما عند المحدث أو


(١) راجع "التمهيد" ١/ ١٣.
(٢) "مقدّمة الجرح والتعديل" ١/ ١٦٣ - ١٦٤.
(٣) "الكفاية" ص ٢٨٣.
(٤) "مقدمة ابن الصلاح" ص: ٨٨. و"صيانة صحيح مسلم" ص: ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>