للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقله شيخ شيوخنا العلامة المحدث شمس الدين السخاويّ في "شرح التقريب"، وقال عقبه بل مجرّد اتّهام الراوي بالكذب مع تفرّده لا يسوغ الحكم بالوضع، ولذا جعله شيخنا -يعني الحافظ ابن حجر- نوعًا مستقلّا، وسمّاه بالمتروك، وفسّره بأن يرويه من يُتّهم بالكذب، ولا يُعرف ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفًا للقواعد المعلومة، قال: وكذا من عُرف بالكذب في كلامه، وإِن لم يظهر وقوعه منه في الحديث، وهو دون الأول. انتهى. وخرج بقوله: من يُتّهم بالكذب من عُرف بالكذب في الحديث، وروى حديثًا لم يروه غيره، فإنا نحكم على حديثه ذلك بالوضع، إذا انضمّت إليه قرينة تقتضي وضعه، كما صرّح به الحافظ العلائيّ، وغيره. انتهى "تنزيه الشريعة" ١/ ١٠.

وإلى هذا أشرت في "تذكرة الطالبين" بقولي:

وَوَلَدُ الْجَوْزِيِّ وَضْعًا أَطْلَقَا ... عَلَى أَحَادِيثَ فَبِئْسَمَا انْتَقَى

لِطَعْنِ بَعْضِ النَّاسِ فِيمَنْ قَدْ رَوَى ... وَلَيْسَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ قَدْ حَوَى

دَلَائِلَ الْبُطْلَانِ غَيْرَ ذَالِكَا ... وَذَا تَشَدُّدٌ فَدَعْهُ تَارِكَا

بَلْ مَا رَوَى مُتَّهَمٌ مُنْفَرِدَا ... فَسَمِّهِ الْمَتْرُوكَ نِلْتَ الرَّشَدَا

وَسَمَهُ بِذَا حَذَامِ الْخَبَرِ ... الْعَسْقَلَانِيُّ الْعَجِيبُ النَّظَرِ

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة السادسة: قال الإمام ابن الجوزيّ رحمه اللهُ تعالى: لَمّا لم يمكن أحدًا أن يزيد في القرآن، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله تعالى علماء يذبّون عن النقل، ويوضّحون الصحيح، ويَفضَحون القبيح، وما يُخلي الله منهم عصرًا من الأعصار، غير أنهم قلّوا في هذا الزمان، فصاروا أعزّ من عنقاء مُغرب:

وَقَدْ كَانُوا إِذَا عُدُّوا قَلِيلَا ... فَقَدْ صَارُوا أَقَلّ مِنَ الْقَلِيلِ

قال سفيان الثوريّ: الملائكة حُرّاس السماء، وأصحاب الحديث حُرّاس الأرض. وقال يزيد بن زُريع: لكلّ دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد. وروينا عن ابن المبارك أنه قيل له: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة. انتهى.

وذكر الحافظ الذهبيّ في "تذكرة الحفّاظ" أن الرشيد أخذ زنديقًا ليقتله، فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها، فقال: أين أنت يا عدوّ الله من أبي إسحاق الفزاريّ، وابن المبارك، ينخُلانها، فيُخرجانها حرفًا حرفًا.

وقال ابن قتيبة في كتابه "اختلاف الحديث" يمدح أهل الحديث: "التمسوا الحقّ

<<  <  ج: ص:  >  >>