للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِن شَيْءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا

وَحَذْفُ ذِي الْفَا قَلَّ فِي نَثْرٍ إَذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا

وأما كونها للتفصيل فهو غالب أحوالها، كما تقدم، وقد تأتي لغير تفصيل، نحو أما زيد فمنطلق. وأما التوكيد فقد قال الزمخشريّ: فائدة "أما" في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهبٌ، فإذا قصدت توكيد ذلك، وأنه لا محالة ذاهبٌ، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمةٌ، قلتَ: أما زيدٌ فذاهبٌ، ولذلك قال سيبويه في تفسيره: مهما يكن من شيء، فزيد ذاهب. وهذا التفسير مُدْلٍ بفائدتين: بيان كونه توكيدًا، وأنه في معنى الشرط انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[المسألة الرابعة: في الكلام على الفصل بينها وبين الفاء]

اعلم: أنه يجب الفصل بين "أمّا" وبين الفاء بواحد من ستّة أمور:

أحدها: المبتدأ، كقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} الآية، {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} الآية {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ} الآية. الثاني: الخبر، نحو أما في الدار فزيد. الثالث: جملة الشرط: نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (٨٩)} الآيات. الرابع: اسمٌ منصوبٌ لفظًا، أو محلًّا بالجواب، نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)} الآيات. الخامس: اسمٌ كذلك معمولٌ لمحذوفٍ، يفسّره ما بعد الفاء، نحو "أما زيدًا فانصره"، ونحو قراءة بعضهم: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} بالنصب، ويجب تقدير العامل بعد الفاء، وقبل ما دخلت عليه؛ لأنّ "أمّا" نائبة عن الفعل، فكأنها فعلٌ، والفعل لا يلي الفعل. السادس: ظرفٌ معمولٌ لـ "أمّا" لما فيها من معنى الفعل الذي نابت عنه، أو للفعل المحذوف، نحو "أمّا اليوم، فإني ذاهبٌ"، و"أمّا في الدار فإنّ زيدًا جالسٌ"، ولا يكون العامل ما بعد الفاء؛ لأنّ خبر "إن " لا يتقدّم عليها، فكذا معموله. هذا قول جمهور النحاة، وجوّز بعضهم كون العامل نفس الخبر. انتهى ملخّصًا من كلام العلّامة النحويّ ابن هشام الأنصاريّ رحمه الله تعالى (١).

وقد نظم بعضم هذه الأمور الستّة بقوله [من الرجز]:

وَبَعْدَ "أَمَّا" فَافْصِلَنْ بِوَاحِدِ ... مِنْ سِتَّةٍ وَلا تَفُهْ بِزَائِدِ (٢)

مُبْتَدَأٌ وَالشَّرْطُ ثُمَّ الْخَبَرُ ... مَعْمُولُ فِعْلٍ بَعْدَ "أَمَّا" يُذْكَرُ


(١) "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ج ١ ص ٥٥ - ٥٨.
(٢) معنى "لا تفُه ": لا تتلفّظ، وهو مضارع فاه، من باب قال: أي لا تتلفّظ بأكثر من واحد؛ لأنه لا يُفصل إلا بواحد من هذه الأمور، أو المعنى: لا تتلفّظ بأكثر من هذه الستة، لأنه لم يرد عن العرب الفصل بغيرها. فافهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>