للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخيرين هو المذهب الصحيح الذي عليه أكثر المحدّثين، وإلى هذه الأقسام أشرت في منظومتي "شافية الغلل" حيت قلت:

ثُمَّ اعْلَمَنْ أَنَّ الرُّوَاةَ انْقَسَمُوا ... أَرْبَعَةً فَمِنْهُمُ الْمُتَّهَمُ

وَمِنْهُمُ مَن وَهْمُهُ قَدْ غَلَبَا ... لِغَفْلَةٍ وَسُوءِ حِفْظٍ قَدْ رَبَا

وَثَالِثُ الأَقْسَامِ أَهْلُ الصِّدْقِ ... وَالْحِفْظِ وَالْوَهْمُ قَلِيلُ الطَّرْقِ

وَذَا بِأَهْلِهِ جَرَى احْتِجَاجُ ... بِلَا خِلَافٍ إِذْ لَنَا احْتِيَاجُ

وَرَابِعُ الأَقْسَامِ أَهْلُ الصِّدْقِ ... معْ حِفْظٍ وَوَهْمُهُمْ بِكَثْرَةٍ يَقَعْ

لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ يَغْلِبُ ... فَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ فبَعْضٌ يَذْهَبُ

لِلأَخْذِ عَنْهُمُ كَنَجْلِ مَهْدِي ... وَابْنِ الْمُبَارَكِ إِمَامِ النَّقْدِ

كَذَاكَ سُفْيَانُ وَكِيعٌ مَالَا ... جُلُّ الْمُحَدِّثِينَ أَيْضًا قَالَا

كَمُسْلِمٍ فَفِي "الصَّحِيحِ" قَدْ كَفَى ... تَوْضِيحَ أَقْسَامِ الرُّوَاةِ وَشَفَى

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الثانية: في البحث المتعلّق بالمنكر:

قد بيّن المصنّف رحمه الله تعالى في قوله: "وعلامة المنكر الخ" أن الحديث المنكر هو الذي تفرّد بروايته من إذا روى ما رواه الثقات الحفّاظ تُخَالِف روايتُهُ روايتَهُم، أو يغلب عليها ذلك، قال النوويّ رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكر رحمه الله تعالى هو معنى المنكر عند المحدّثين، يعني المنكر المردود، فإنهم يُطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث، وهذا ليس بمنكر مردود، إذا كان الثقة ضابطًا متقنًا. انتهى (١).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: لم أقف لأحد من المتقدّمين على حدّ المنكر من الحديث، وتعريفه إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجيّ الحافظ (٢) -وكان من أعيان الحفاظ المبرّزين في العلل- أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة لا يعرف ذلك الحديث، وهو متن الحديث إلا من طريق الذي رواه، فيكون منكرًا، ذكر هذا الكلام في سياق ما إذا انفرد شعبة، أو سعيد بن أبي عروبة، أو هشام الدستوائيّ بحديث عن قتادة، عن أنس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كالتصريح بأنه كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة، ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق، فهو منكر، كما قاله الإمام أحمد في حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-


(١) "شرح مسلم" ١/ ٥٧.
(٢) بفتح الموحدة، وسكون الراء، وكسر الدال المهملة، بعدها تحتية وجيم: نسبة إلى برديج قُربَ بَرْدَعة، بإهمال الدال، بأذربيجان، ويقال له: البردعي أيضا. قاله في "التدريب" ١/ ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>