للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا رُبَّ يَوْمٍ صَالِحٍ لَكَ مِنْهُمَا ... وَلَا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةَ جُلْجُلِ

فلك فيه الرفعُ، والجرّ كذلك، ويزيد النصبَ، فيُميّز "السيّ" كما تميّز "مثل"، نحو. {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: ١٠٩]، و"ما" حينئذ كافّةٌ عن الإضافة، وفتحة "سيّ" بناءٌ على هذا؛ لإفرادها، وإعرابٌ في سواه؛ لإضافتها لـ "ما"، أو تاليها، والبيت مرويّ بالأوجه الثلاثة، وخبر "لا" على الجميع محذوفٌ: أي لا مثل كذا موجودٌ، ولا محلّ للجملة، وقد تُخفّف ياؤها، وقد تُحذف منها الواو، إما وحدها، أو مع "لا"، كما حكاه الرضيّ، وتعقّبه الدمامينيّ. هذا، وقد يَرِدُ به بمعنى "خُصُوصًا"، فيكون في محلّ نَصْب مفعولًا مطلقًا لأَخُصُّ محذوفًا، وحينئذ يؤتى بعده بالحال، كأُحِبُّ زيدًا، ولا سيّمًا راكبًا، أو وهو راكب، فهي حالٌ من مفعول "أَخُصُّ" المحذوف: أي أخصّه بزيادة المحبّة خصوصًا في حال ركوبه، وكذا بالجملة الشرطيّة، نحو: ولا سيّما إن ركِبَ: أي أخصّه بذلك، فقول المصنّفين: لا سيّما والأمر كذا تركيبٌ عربيّ. أفاده الدمامينيّ وغيره. انتهى (١).

(عِنْدَ مَنْ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَوَامِّ) جمعِ عامّة، سيأتي للمصنّف قريبًا بيان معناه، والجارّ والمجرور بيان لـ "من" (إِلَّا بِأَنْ يُوَقِّفَهُ غَيْرُهُ) أي بأن يُعْلِمه غيره من أهل العلم، وهو بتشديد القاف من التوقيف، ولا يصحّ أن يُقرأ هنا بتخفيف القاف، بخلاف ما قدّمناه في قوله: "تُوقف على جملتها"؛ لأن اللغة الفصيحة المشهورة وَقَّفْتُ فلانًا على كذا بالتشديد، فلو كان مخفّفًا لكان حقّه أن يُقال بأن يَقِفَه على التمييز. أفاده النوويّ (٢). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي هَذَا كَمَا وَصَفْنَا، فَالْقَصْدُ مِنْهُ إِلَى الصَّحِيحِ الْقَلِيلِ، أَوْلَى بِهِمْ مِنَ ازْدِيَادِ السَّقِيمِ، وَإِنَّمَا يُرْجَى بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ، وَجَمْعِ الْمُكَرَّرَاتِ مِنْهُ لِخَاصَّةٍ مِنَ النَّاسِ، مِمَّنْ رُزِقَ فِيهِ بَعْضَ التَّيَقُّظِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِأَسْبَابهِ وَعِلَلِهِ، فَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَهْجُمُ بِمَا أُوتِيَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ جَمْعِهِ، فَأَمَّا عَوَامُّ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ بِخِلَافِ مَعَانِي الْخَاصِّ، مِنْ أَهْلِ التَّيَقِّظِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَلَا مَعْنَى لَهُمْ فِي طَلَبِ الْكَثِيرِ، وَقَدْ عَجَزُوا عَنْ مَعْرِفَةِ الْقَلِيلِ).

[الشرح الإجمالي لهذه الفقرة]

بيّن رَحِمَهُ اللهُ تعالى أنه إذا كان الأمر كما وصفناه من كون ضبط القليل أيسر من معالجة


(١) راجع "حاشية الخضري على شرح ابن عقيل" في "باب الموصول" ١/ ١١١.
(٢) " شرح النوويّ" ١/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>