للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثره، ولا بُدّ مع هذا أن يكون سالما من وَصْمَة التدليس.

وحجة هذا المذهب هي الأولى بعينها، ولكنه خَفّف في اشتراك السماع تنصيصا في كل حديث حديث؛ لتعذر ذلك، ولوجود القرائن المفهمة للاتصال، من إيراد الإسناد، وإرادة الرفع بعضِهم عن بعض عند قولهم: "فلان عن فلان" مع طول الصحبة.

(المذهب الثالث): اشتراط ثبوت السماع، أو اللقاء (١) في الجملة، لا في حديث حديث.

قال ابن رشيد: وهو مذهب متوسط، وهو رأي كثير من المحدثين، منهم: الإمام أبو عبد الله البخاريّ، وشيخه أبو الحسن علي بن المديني، وغيرهما. نقل ذلك عنهم القاضي أبو الفضل عياض (٢) وغيره، وهذا هو الصحيح من مذاهب المحدثين، وهو الذي يَعضِدُه النظر، فلا يُحمَل منه على الاتصال إلا ما كان بين متعاصرين يُعلَم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعدا، وما لم يُعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شهد له لفظ السماع، أو التحديث، أو ما أشبههما، من الألفاظ الصريحة، إذا أخبر بها العدل عن العدل.

وحجة هذا المذهب أيضا ما تقدم من إجماع جماهير النقلة على قبول الإسناد المعنعن، وإيداعه في كتبهم التي اشترطوا فيها إيراد الصحيح، مع ما تقرر من مذاهبهم أن المرسل لا تقوم به حجة، وأنهم لا يُودعون فيها إلا ما اعتقدوا أنه مسند.

قال أبو عمر بن عبد البر الحافظ الإمام: "وجدت أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك، إذا جمع شروطا ثلاثة: عدالتهم، ولقاء بعضهم لبعض مجالسةً ومشاهدةً، وبراءتهم من التدليس".

قال أبو عمرو بن الصلاح الإمام الناقد: "والاعتماد في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقاء والإدراك".

قال ابن رُشيد: ولقد كان ينبغي من حيث الاحتياط أن يُشتَرط تحقق السماع في


(١) هكذا عبارة بن رُشيد بـ "أو"، لكن الذي يقتضيه سياق كلام مسلم رحِمَهُ الله أن هذا المذهب يشترط اللقاء مع السماع، وهو الذي يقتضيه تحقيق ابن رُشيد في كلامه الآتي، فعلى هذا الأولى أن تكون "أو" هنا بمعنى الواو. والله تعالى أعلم.
(٢) قال في "إكمال المعلم": والقول الذي ردّه مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم: عليّ بن المدينيّ والبخاري وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>