للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطاء، وطاوس، ومجاهد، والقاسم، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، وإسحاق.

وقال أبو حنيفة في عصير العنب إذا طُبخ، فذهب ثلثاه، ونقيع التمر والزبيب، إذا طُبخ وإن لم يذهب ثلثاه، ونبيذِ الحنطة، والذرة، والشعير، ونحو ذَلك، نقيعا كان، أو مطبوخا، كل ذلك حلال، إلا ما بلغ السُّكر، فأما عصير العنب إذا اشتد، وقذف زبده، أو طُبخ فذهب أقل من ثلثيه، ونقيع التمر والزبيب، إذا اشتد بغير طبخ، فهذا محرم قليله وكثيره؛ لما روى ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "حُرِّمت الخمرة لعينها، والمسكر من كل شراب".

وحجة الأولين ما رواه ابن عمر قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام". أخرجه مسلم، وغيره. وعن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام". حديث صحيح، أخرجه أبو داود، وغيره.

وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كل مسكر حرام، وما أسكر منه الْفَرَق فملء الكف منه حرام". حديث صحيح أيضًا، أخرجه أبو داود وغيره. وقال عمر -رضي الله عنه-: "نزل تحريم الخمر، وهي من العنب، والتمر، والعسل، والشعير، والخمرُ: ما خامر العقل". متفق عليه.

والجواب عما احتجّ به الآخرون أن حديثهم غير صحيح، والصحيح من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما -كما قال النسائيّ وغيره-: ما رواه محمد بن عبيد الله أبو عون الثقفيّ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "حُرّمت الخمر قليلها وكثيرها، وما أسكر من كل شراب".

وقال ابن المنذر رحمهُ اللهُ تعالى: جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة، ذكرناها مع عللها. وذكر الأثرم أحاديثهم التي يحتجون بها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة، فضعفها كلها، وبين عللها.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وقد استوفى بيان علل الأحاديث التي احتجّوا بها الإمام النسائيّ رحمهُ اللهُ تعالى في "سننه"، فراجعه مع ما كتبته في شرحي عليه.

والحاصل أن ما ذهب إليه القائلون بإباحة النبيذ المسكر ما لم يسكر به قول باطلّ، منابذ للأدلّة الصحيحة الكثيرة التي تنصّ على أن كلّ ما أسكر فهو خمر، تشمله أدلّة تحريم الخمر من الكتاب والسنّة.

[فائدة حسنة]: ذكر العلامة اللغويّ أحمد بن محمد الفيّومي رحمهُ اللهُ تعالى في كتابه الممتع "المصباح المنير" فائدة تتعلّق بالحديث المذكور: "ما أسكر كثيره، فقليله

<<  <  ج: ص:  >  >>