للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَالَ: لَا يُجْلَدُ) بالبناء للمفعول، من الْجَلْد، وهو الضرب بالسوط، يقال: جَلَدتُ الجاني جَلْدًا، من باب ضرب: إذا ضربته بالْمِجْلَد -بكسر الميم- وهو السوط، والواحدة جَلْدة، مثلُ ضَرْب وضَرْبَة. أفاده الفيوميّ (السَّكْرَانُ) بالرفع نائب "يُجْلَد"، و"السكران": خلاف الصاحي، والسُّكْر بضم، فسكون: نقيض الصحو. قاله ابن منظور (١). وقال الفيّوميّ: سَكِر سَكَرًا، من باب تَعِب، وكسر السين في المصدر لغةٌ، فيبقى مثلَ عِنَبٍ، فهو سَكْرانُ والمرأة سَكْرَى، والجمع سُكارى بضم السين، وفتحها لغة، وفي لغة بني أسد يقال في المرأة سكرانة. انتهى (٢). وذكر ابن منظور نقلًا عن أبي عليٍّ في "التذكرة" أن من قال: سكرانة، وجب عليه أن يصرف سكران في النكرة (٣). (مِنَ النَّبِيذِ) أي من شرب النبيذ، وهو بفتح النون، وكسر الموحّدة، فعيل بمعنى مفعول، سُمي بذلك؛ لأنه يُنبذ: أي يُترك حتى يشتدّ. أفاده الفيوميّ. وقال ابن منظور: النبيذ: ما نُبِذ من عصير ونحوه. قال: وإنما سُمّي نبيذًا لأن الذي يتّخذه يأخذ تمرًا، أو زبيبًا، فينبذه في وعاء، أو سِقَاء ويصبّ عليه ماءً، ويتركه حتى يفور، فيصير مسكرًا. والنبذ: الطرح. وقال أيضًا: النبيذ: هو ما يُعمل من الأشربة، من التمر، والزبيب، والعسل، والحنطة، والشعير، وغير ذلك، يقال: نبذت التمر والعنب: إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذًا، فصُرِف من مفعول إلى فَعِيل. انتهى (٤).

(فَقَالَ) أي الحسن (كَذَبَ) أي عمرو بن عبيد في نسبته إلى الحسن ما لم يقله، ثم ذكر مستند تكذيبه، فقال: (أَنَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ) أي إن مذهب الحسن رحمهُ اللهُ تعالى في هذه المسألة خلاف ما حكاه عنه عمرو بن عبيد، وذلك أن مذهبه إيجاب الجلد على من سكر من شرب النبيذ، فتكون حكايته عنه أنه قال: لا يُجلَد السكران من النبيذ كذبًا عليه. والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بقول الحسن هذا:

(المسألة الأولى): أن ما ذهب إليه الحسن من جلد السكران من النبيذ هو ما عليه أهل العلم، ولا خلاف بينهم في ذلك، وكذا فيمن شرب الخمر، ولو لم يسكر، وإنما اختلفوا فيما إذا شرب غير الخمر من الأنبذة المسكرة، فقال الجمهور: كلّ مسكر حرام قليله وكثيره، وهو خمر، حكمه حكم عصير العنب في تحريمه، ووجوب الحد على شاربه. قال ابن قُدامة: رُوي تحريم ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وأنس، وعائشة -رضي الله عنهم-. وبه قال


(١) "لسان العرب" ٤/ ٣٧٢.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٢٨١.
(٣) "لسان العرب" ٤/ ٣٧٢.
(٤) "لسان العرب" ٣/ ٥١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>