فقوله ﷾: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ أخرجه مخرج الاستفهام الإنكاري، وهو أبلغ من النفي والنهي، وألطف موقعًا؛ كما ترى غيرك يفعل فعلًا قبيحًا فتقول: أيفعل هذا عاقل؟ أيفعل هذا من يخاف الله والدار الآخرة؟
وقال ﷾: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ بلفظ الواحد لتضمنه معنى الإنكار العام، كما تقول: أيفعل هذا أحد فيه خير؟ وهو أبلغ في الإنكار من أن يقال: أيودون.
وقوله:«أَيَوَدُّ» أبلغ في هذا الإنكار من لو قيل: أَيريد؛ لأن محبة هذا الحال المذكورة وتمنيها أقبح وأنكر من مجرد إرادتها.
وقوله ﷾: ﴿أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ خص هذين النوعين من الثمار بالذكر لأنهما أشرف أنواع الثمار، وأكثرها نفعًا.
فإن منهما القوت والغذاءَ والدواءَ والشراب والفاكهة والحلو والحامض، ويؤكلان رطبًا ويابسًا، ومنافعهما كثيرة جدًّا.
وقد اختلف في الأنفع والأفضل منهما فرجحت طائفة النخيل، ورجحت طائفة العنب.
وذكرت كل طائفة حججًا لقولها، قد ذكرناها في غير هذا الموضع (١).
فصل الخطاب أن هذا يختلف باختلاف البلاد، فإن الله ﷾ أجرى العادة بأن سلطان أحدهما لا يحل حيث يحل سلطان الآخر، فالأرض التي يكون فيها سلطان النخيل لا يكون العنب بها طائلًا ولا كثيرًا؛ لأنه إنما يخرج في الأرض الرخوة اللينة المعتدلة غير السبخة، فينمو فيها فيكثر، وأما النخيل فنموه وكثرته في الأرض الحارة السبخة، وهي لا تناسب العنب، فالنخل في أرضه