وكذلك هو عليم بالخلق الثاني وتفاصيله ومواده وكيفية إنشائه، فإن كان تام العلم كامل القدرة كيف يتعذر عليه أن يحيي العظام وهي رميم.
ثم أكد الأمر بحجة قاهرة وبرهان ظاهر يتضمن جوابًا عن سؤال ملحد آخر يقول: العظام إذا صارت رميمًا عادت طبيعتها باردة يابسة، والحياة لا بد أن تكون مادتها وحاملها طبيعته حارة رطبة لتقبل صورة الحياة، فتولى سبحانه جواب هذا السؤال بما يدل على أمر البعث ففيه الدليل والجواب معًا فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)﴾ [يس: ٨٠].
فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة، فالذي يخرج الشيء من ضده وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها ولا تستعصي عليه هو الذي يفعل ما أنكره الملحد، ودفعه من إحياء العظام وهي رميم.
ثم أكد هذا بأخذ الدلالة من الشيء الأجل الأعظم على الأيسر الأصغر، وأن كل عاقل يعلم أن من قدر على العظيم الجليل فهو على ما دونه بكثير أقدر وأقدر.
فمن قدر على حمل قنطار فهو على حمل أوقية أشد اقتدارًا، فقال: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١)﴾
[يس: ٨١].
فأخبر سبحانه أن الذي أبدع السموات والأرض على جلالتهما وعظم شأنهما وكبر أجسامهما وسعتهما وعجيب خلقتهما أقدر على أن يحيي عظامًا قد صارت رميمًا فيردها إلى حالتها الأولى، كما قال في موضع آخر: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)﴾ [غافر: ٥٧].