فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور، وصار بإيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه، وهم فيه على حسب قوته وضعفه في قلوبهم في الدنيا؛ فمنهم من نوره كالشمس، وآخر كالقمر، وآخر كالنجوم، وآخر كالسراج، وآخر يُعطى نورًا على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفأ أخرى، إذا كانت هذه حال نوره في الدنيا، فأعطي على الجسر بمقدار ذلك، بل هو نفس نوره ظهر له عيانًا، ولما لم يكن للمنافق نور ثابت في الدنيا بل كان نوره ظاهرًا، لا باطنًا أُعطي نورًا ظاهرًا مآله إلى الظلمة والذهاب.
وضرب الله ﷿ لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلًا بالمشكاة، وهي: الكوة في الحائط. فهي مثل الصدر، وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفى الزجاج، وحتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه، وهي مثل القلب، وشبه بالزجاجة لأنها جمعت أوصافًا هي في قلب المؤمن، وهي: الصفاء والرقة والصلابة، فيرى الحق والهدى بصفائه، وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته، ويجاهد أعداء الله ﷾ ويغلظ عليهم ويشتد في الحق ويصلب فيه بصلابته، فلا تُبطل صفةٌ منه صفةً أخرى ولا تعاديها بل تساعدها وتعاضدها، ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩].